الكاريكاتير..سلاح الشرق الأوسط الصامت الذي يكشف المستور

الكاتبة الإسرائيلية “عيديت بار” المتخصصة في الإعلام العربي

المصطفى الجوي – موطني نيوز 

في عالم يغرق في ضجيج الكلمات وتضارب التصريحات، يبرز فن الكاريكاتير كقوة صامتة، قادرة على اختراق جدران الصمت والتعبير عن ما لا يجرؤ اللسان على قوله. إذا كانت الحكمة القديمة تقول إن “صورة واحدة تساوي ألف كلمة”، فإن الكاريكاتير، بحدته الساخرة ورمزيته العميقة، يرتقي ليصبح معادلاً لألف صورة، ناقلاً رسائل مكثفة تتجاوز حدود اللغة والرقابة.

في قلب الشرق الأوسط، حيث تتشابك الخيوط السياسية والاجتماعية والدينية في نسيج معقد، يتحول الكاريكاتير إلى أداة قوية لتمثيل نبض الشارع والرأي العام. إنه ليس مجرد رسم فني، بل هو مرآة تعكس الواقع بجرأة، تكشف الأسرار، وتحطم المحظورات الاجتماعية والسياسية التي يخشى الكثيرون الاقتراب منها، خاصة في بيئات تفتقر إلى حرية التعبير المطلقة. هذه الخطوط المرسومة ببساطة ظاهرية، تحمل في طياتها قوة تفجيرية قادرة على إثارة قضايا حساسة مثل حقوق المرأة، والديمقراطية، والنفوذ الإقليمي لدول مثل إيران.

هذا الدور المحوري للكاريكاتير هو ما دفع إلى البحث والتحليل العميق لمئات الرسوم الكاريكاتورية، في محاولة لفهم القصة الحقيقية للمنطقة. إن هذا العمل، الذي تبلور في كتاب بعنوان “خطوط تعبر الحدود-السخرية والاحتجاج البصري في العالم العربي” للكاتبة الإسرائيلية “عيديت بار” المتخصصة في الإعلام العربي والذي على وشك الصدور ، يقدم مفتاحاً فريداً لفك شفرة الثقافة العربية المعاصرة، بعيداً عن أي تجميل أو تصفية. إنه يكشف عما يدور حقاً في أذهان الناس، ليس فقط حول القضايا الداخلية، بل وأيضاً حول الصراع الإقليمي، وكيف تُترجم الأحداث الكبرى، مثل فظائع السابع من أكتوبر، إلى خطوط ورسومات تعبر عن وجهة نظر مغايرة ومؤثرة.

إن الكاريكاتير، في جوهره، هو دراسة لكيفية هندسة الوعي وتشكيل الرأي العام. إنه يوضح الآليات التي يتم بها التأثير على الجمهور، وكيف تتحول الرسومات البصرية إلى أدوات دعائية أو تثقيفية فعالة. وفي عصرنا الحالي، حيث تُحدد صورة الدول وتُصاغ سمعتها في وسائل الإعلام العالمية بسرعة البرق، يصبح فهم هذه “اللغة البصرية” أمراً حيوياً لا يمكن التغاضي عنه. إن تجاهل هذه الأداة القوية يعني التنازل عن جزء أساسي من ساحة المعركة الإعلامية والتفسيرية. إن إتقان هذه اللغة وفهم رسائلها المشفرة لم يعد ترفاً، بل ضرورة استراتيجية لتعزيز جهود التوعية والتفسير الخاصة بنا، وضمان أن تكون روايتنا مسموعة ومفهومة في خضم هذا المشهد الإعلامي المعقد. هذا الكتاب، وهذه الرؤية، هي دعوة للمشاركة في هذا الفهم العميق، ليكون الجميع شركاء في إخراج هذا الجهد المعرفي إلى النور.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!