
المصطفى الجوي – موطني نيوز
لا يمكن لأي متابع للشأن المحلي بمدينة بنسليمان إلا أن يقر بحقيقة مرة ومؤلمة: المدينة تتراجع بشكل مخيف، وتنزلق نحو فوضى غير مقبولة. لم يعد الأمر مجرد ركود، بل هو تآكل ممنهج لكل ما كان يمثل مكتسباً، لتحل محله مظاهر “السيبة” بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ سلبية، وذلك في ظل ولاية جماعية تستعد لإتمام عقدها الأول. لقد أصبح المشهد السائد في المدينة أقرب إلى قرية مهجورة منه إلى حاضرة إقليمية؛ فقطعان الماشية من ماعز وأغنام، والدواب كالحمير والبغال، تجول وتصول في الشوارع، منافسة الكلاب الضالة على بقايا نفايات حولت المدينة إلى مطرح عمومي مفتوح. ولم تسلم حتى الشرايين الرئيسية للمدينة من هذه الفوضى، حيث انتشرت الأسواق العشوائية كالفطريات، محتلة الملك العام بلا رادع، حتى أضحى المواطن نفسه جزءاً من هذا المشهد الكارثي.
أمام هذا الوضع، يُطرح السؤال الحتمي: من المستفيد من هذا الخراب؟ ولماذا يبدو المواطن السليماني مصراً على العيش وسط هذه القذارة والفوضى؟ قد يسارع البعض إلى إلقاء اللوم على السلطات المحلية والإقليمية، لكن الحقيقة على الأرض تقول عكس ذلك، فهذه السلطات تبذل جهوداً لمحاربة هذه الظواهر المقيتة، لتجد نفسها وحيدة في مواجهة غياب تام لجماعة ترابية غيورة ومسؤولة. إذاً، لا مفر من الاعتراف بأن السهم يتجه نحو الساكنة نفسها. نعم، إن شريحة من السكان هي من ترغب، بوعي أو بغير وعي، في العيش وسط هذه الفوضى، لأن أصحاب تلك القطعان السائبة هم من السكان، ومحتلو الملك العام لإنشاء أسواق عشوائية هم من السكان، والمخربون الذين يطالون الممتلكات هم من السكان. لقد أصبحنا نلقي باللوم على الآخرين، و”نعيب زماننا والعيب فينا”.
إن هذا التراجع المرعب في “مدينة السيبة” سببه الأول هو عقلية فئة من الساكنة فضلت مصالحها الفردية وأنشطتها الفاسدة على حساب المصلحة العامة وتنمية المدينة. هذه الفئة التي عجزت حتى عن تربية أبنائها، فدفعت بهم إلى الشارع العام ليكملوا مسيرة التدمير، عبر كتابات حائطية تخدش الحياء، وتخريب متعمد لعلامات التشوير والممتلكات العامة والخاصة، والقائمة تطول. إنه واقع مرير يدفعنا إلى التساؤل عن مستقبل مدينة تُركت لمصيرها، ولن نجد ختاماً أبلغ من الدعاء: “اللهم لا تحاسبنا بما فعل السفهاء منا”.