قرار مجلس الأمن 2797 (2025) إطار واقعي للحل وليس تعميقاً للخلاف

المصطفى الجوي

المصطفى الجوي – موطني نيوز 

تناولت إحدى الصحف الجزائرية، التي اعتادت التعبير عن مواقف “الكابرنات”، قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2797 (2025) المتعلق بقضية الصحراء المغربية، بأسلوب تحليلي يزعم وجود “تناقض جوهري” في القرار، مدعيةً أن هذا التناقض “يعمق جوهر الخلاف” بين طرفي النزاع. ويقوم هذا الزعم على أن القرار يجمع بين اعتبار “مخطط الحكم الذاتي” المغربي كحل “أكثر جدوى لإنهاء الصراع”، وبين التشديد على أن الحل النهائي يجب أن يضمن لـ”شعب الصحراء المغربية تقرير مصيره”. إن هذا الطرح، الذي يفتقر إلى الدقة القانونية والتحليل الموضوعي، ليس سوى محاولة لتشويه الإطار التفاوضي الذي وضعه مجلس الأمن، وهو إطار يمثل في حقيقته قمة الواقعية السياسية والقانونية، ويسعى إلى تجاوز الجمود الذي استمر لعقود.

إن الادعاء بأن الجمع بين “الحكم الذاتي” و”تقرير المصير” يمثل تناقضاً قانونياً هو ادعاء خاطئ ومضلل. فمبدأ تقرير المصير، كما هو مكرس في ميثاق الأمم المتحدة والقرارات اللاحقة، هو مبدأ قانوني دولي يهدف إلى تمكين الشعوب من اختيار وضعها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وفي الممارسة الدولية، لا يقتصر تطبيق هذا المبدأ على خيار الاستقلال التام أو الانضمام، بل يشمل أيضاً خيار الحكم الذاتي أو الاندماج، شريطة أن يكون هذا الخيار نابعاً من إرادة الشعب المعني ومقبولاً من الأطراف.

وفي هذا السياق، فإن القرار 2797 (2025)، شأنه شأن القرارات السابقة منذ عام 2007، لم يفرض حلاً، بل حدد إطاراً تفاوضياً يجمع بين “مقترح الحكم الذاتي المغربي” الذي وصفه القرار بأنه “جاد وواقعي وموثوق” كأساس للمفاوضات، وبين “حل سياسي نهائي ومقبول للطرفين يضمن تقرير المصير لشعب الصحراء المغربية” كهدف نهائي. إن مجلس الأمن، بذكائه القانوني، يضع مقترح الحكم الذاتي كـ”أرضية” للمفاوضات، وليس كـ”نتيجة” مفروضة. فالنتيجة النهائية، وفقاً للقرار، يجب أن تحقق مبدأ تقرير المصير وتكون “مقبولة للطرفين”. هذا التوازن هو جوهر المقاربة الأممية الجديدة، وهو ما ينسف مزاعم “التناقض” الذي تنهجه الجارة الداعمة للإرهاب.

علاوة على ذلك، فإن القرار 2797 (2025) لم يكتفِ بالإشارة إلى مقترح الحكم الذاتي كـ”أساس”، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، حيث أشار إلى أن “الحكم الذاتي الحقيقي يمكن أن يمثل النتيجة الأكثر جدوى”.

هذه الصياغة، التي تعكس قناعة دولية متنامية، ترفع من مكانة المقترح المغربي إلى مستوى الحل العملي والواقعي الذي يمكن أن ينهي الصراع. إنها رسالة واضحة من المجتمع الدولي بأن خيار الاستفتاء التقليدي، الذي فشل على مدى عقود، لم يعد هو الخيار الوحيد أو الأنجع. 

ويمكن تلخيص دلالات القرار القانونية والسياسية في أن القرار يصف مقترح الحكم الذاتي بأنه “جاد وواقعي وموثوق” و”أساس للمفاوضات”، وهو ما يمثل اعترافاً دولياً بجدية المقترح ووضعه كإطار عمل إلزامي للتفاوض. وفي الوقت ذاته، يشدد القرار على مبدأ تقرير المصير، الذي يضمن تقرير المصير لشعب الصحراء المغربية، وهو مبدأ قانوني دولي لا يمكن التنازل عنه، ويتحقق عبر حل “مقبول للطرفين”. أما النتيجة المرجوة، فقد أشار إليها القرار بوضوح بأن “الحكم الذاتي الحقيقي يمكن أن يمثل النتيجة الأكثر جدوى”، وهو ما يشكل دعماً للتوجه نحو الحكم الذاتي كحل عملي وواقعي لإنهاء الصراع.

وبالتالي، فإن القرار الأممي يضع الكرة في ملعب الأطراف، حيث يدعوهم إلى “الانخراط في هذه المناقشات دون شروط مسبقة” و”العمل بحسن نية” تحت رعاية المبعوث الشخصي للأمين العام. ومن هنا أقول للجارة الجزائر و لإعلامها العسكري كفى من المغالطات، إن التركيز على “التناقض المزعوم” هو محاولة للتهرب من المسؤولية القانونية والأخلاقية المتمثلة في الجلوس إلى طاولة المفاوضات. فبدلاً من تحليل القرار كإطار للحل، يتم تحويله إلى أداة لتعميق الخلاف، وهو ما يخدم أجندة من لا يريدون للنزاع أن ينتهي. إن القرار 2797 (2025) هو وثيقة قانونية وسياسية متماسكة، توازن بين مبدأ تقرير المصير وواقعية الحلول المتاحة. كما إنها تدعو إلى حل سياسي عملي، وتؤكد أن الطريق الوحيد لإنهاء هذا النزاع هو عبر التفاوض المباشر على أساس المقترح الأكثر جدوى وواقعية، وهو مقترح الحكم الذاتي. إن أي قراءة أخرى للقرار هي قراءة انتقائية تخص الجزائر لوحدها في العام وتهدف إلى تبرير استمرار الجمود والتهرب من متطلبات المرحلة الجديدة التي فرضها مجلس الأمن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!