
الحسين بنلعايل – موطني نيوز
إنها ليست مجرد صحوة مذهبية عابرة، ولا هي حرية اختيار فردي في معتقد ديني. ما يجري في عمق الجاليات المسلمة في أوروبا، وتحديداً في صفوف الجالية المغربية، هو عملية اغتيال ممنهجة للهوية، واختراق سياسي خبيث، وغزو طائفي ناعم يهدد الأمن الروحي والاجتماعي وحتى القومي لدول بأكملها، فمن يدري؟!. إنها هيمنة المذهب الشيعي الإيراني التي تتمدد كالأخطبوط، مستغلة هشاشة الظروف وغياب اليقظة، لتحول أبناءنا إلى وقود لمشروع سياسي لا يخدم سوى طهران وأجندتها التوسعية.
لقد باتت أوروبا، التي طالما تغنت بالتسامح والتعددية، مسرحاً مفتوحاً لـ “التشيع السياسي”، هذا الفيروس العقائدي الذي لا يكتفي بالقلوب والعقول، بل يهدف إلى السيطرة على القرار والولاء. والأدهى والأمر، أن هذا الاختراق الناعم يجد ضالته في أضعف فئات الجالية المغربية وأكثرها حاجة، مستهدفاً المهاجرين غير الشرعيين، والعاطلين عن العمل، والمهمشين الذين لفظتهم قسوة الغربة والإقصاء. إن المشروع الإيراني في أوروبا لا يدعو إلى مذهب، بل يشتري الولاءات بفتات المساعدات، وبوعود الزواج المتعدد الأسماء و الأهداف من سوريات أو عراقيات وغيرها، وبتسهيلات للحصول على الإقامة، ليصبح الثمن الباهظ هو بيع الضمير والانخراط في خدمة مشروع طائفي لا يعرف حدوداً للعداء.
إننا نتحدث عن كارثة حقيقية، عن رقم صادم ومخيف: حوالي 100 ألف مغربي اعتنقوا المذهب الشيعي حتى اللحظة، ليتحولوا من أبناء لبلد سني مالكي معتدل، إلى بيادق في رقعة شطرنج إيرانية. هذا التشييع ليس مجرد تحول ديني، بل هو تحول في البوصلة السياسية والوطنية. فما إن يرتدي أحدهم عباءة التشيع، حتى يتحول إلى أداة طيعة في يد أجندات معادية للمغرب وأوروبا، منخرطاً في مشاريع خبيثة كدعم جبهة البوليساريو الانفصالية، أو العمل تحت مظلة حزب الله الإرهابي لمحاربة إسرائيل، أو محاولة التأثير على توجهات الجالية داخل أوروبا لتخدم مصالح المرشد الأعلى الإيراني.
هنا يكمن جوهر الخيانة والطعنة المسمومة، أن يتحول ابن الجالية، الذي من المفترض أن يكون سفيراً لهوية وطنه المعتدلة، إلى خنجر مسموم يطعن في خاصرة بلده الأم. إن هذا الاختراق لا يقف عند حدود العقيدة، بل يتجاوزها إلى حدود الأمن القومي والسياسي. إنها حرب هويات خفية، تستخدم الدين مطية، والفقر والحاجة جسراً، لتدمير اللحمة الوطنية للجالية المغربية وتحويلها إلى خلايا نائمة تخدم مصالح أجنبية معادية.
والسؤال الذي يمزق الحلق، ويثير غضباً لا يهدأ أين كانت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية؟ أين كان دورها في حماية أبنائها؟ وكيف سمحت بهذا الغياب التام الذي فتح الباب على مصراعيه لهذا الغزو الطائفي؟ إن صمت هذه المؤسسات، أو غيابها، أو حتى اكتفاءها ببيانات خجولة لا تسمن ولا تغني من جوع، هو تواطؤ غير مباشر مع هذا التمدد. إن الجالية المغربية في أوروبا تركت وحيدة، فريسة سهلة لأنياب الذئاب الطائفية التي تتربص بها، في وقت كان يجب أن تكون فيه المؤسسات الدينية المغربية التي تصرف عليها الملايير هي الحصن المنيع والدرع الواقي.
ولنتحدث بصراحة أكثر، أين هو دور مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة؟ هذه المؤسسة التي أُنشئت لتكون منارة للإرشاد الديني، ولتكوين الأئمة، ولترسيخ الفهم السني المعتدل، نجدها غائبة تماماً عن ساحة المعركة الحقيقية في أوروبا. إن مهمتها لا تقتصر على أفريقيا جنوب الصحراء، بل تمتد لتشمل حماية الهوية الدينية المغربية المعتدلة أينما وجدت. إن انعدام أي دور فعّال لهذه المؤسسة في مواجهة هذا التحدي الوجودي، هو إهدار للموارد وتقاعس عن أداء الأمانة. إن الإرشاد الديني ليس ترفاً، بل هو خط الدفاع الأول عن الهوية، وعندما يغيب هذا الخط، ينهار كل شيء.
إن غياب الدور الفعّال لبعض القنصليات، والمساجد التقليدية، ومؤسسة الحسن الثاني، لا يزيد الوضع إلا سوءاً. فالمساجد، التي كان يجب أن تكون مراكز إشعاع وحماية، تحولت في بعض الأحيان إلى بؤر صراع وتوتر، تتكرر فيها وقائع العنف والاتهامات، كما حدث مع الإمام الذي تعرض للتهديد في هولندا، أو العراقي الذي ضُرب أمام ابنه في مسجد بلياج ببلجيكا. هذا الفشل في السيطرة على بيوت الله وتحصينها هو دليل على أننا فقدنا السيطرة على الساحة الدينية في أوروبا، وأن الفراغ الذي تركناه يملأه الآن المتطرفون الطائفيون.
أين هي المراقبة؟ وأين هي المسؤولية؟ وأين هي حماية صورة الإسلام والمسلمين؟ إن هذه الأسئلة يجب أن تطرح على أعلى المستويات، وبلهجة حادة لا تقبل التبرير أو التسويف. إن أوروبا ليست مسرحاً للطائفية، والمغرب لن يسمح بتحويل جاليته إلى أدوات في يد أجندات تخدم خصومه. لقد حان الوقت لصحوة وطنية ودينية شاملة، قبل أن نستيقظ على جالية مقتسمة، وولاءات مشتتة، وأمن روحي واجتماعي متصدع.
لذلك، ندعو بأعلى صوت، وبكل قوة، إلى تحرك عاجل وحاسم للاجهزة الأمنية البلجيكية وغيرها بأوروبا:
1. فتح تحقيقات برلمانية أوروبية فورية حول التمويلات المشبوهة القادمة من إيران إلى الجمعيات والمراكز الطائفية التي تتخذ من أوروبا قناعاً لنشر سمومها. يجب فضح هذه الشبكات وتجفيف منابعها المالية التي تغذي هذا الاختراق.
2. دعم أكبر وفوري من السفارات والقنصليات المغربية للجاليات، خاصة الفئات الهشة. يجب أن تتحول هذه المؤسسات من مجرد مكاتب إدارية إلى حصون اجتماعية ووطنية تقدم الدعم المادي والمعنوي، وتنتشل أبناءنا من براثن الحاجة التي تستغلها الأجندات الطائفية.
3. تحرك عاجل وغير مسبوق للمؤسسات الدينية المغربية لتأطير الجالية وتحصينها من هذا الغزو الطائفي. يجب إرسال أئمة وعلماء مدربين ومؤهلين لمواجهة هذا الفكر الدخيل، وتقديم خطاب ديني سني مالكي معتدل يملأ الفراغ الرهيب.
4. متابعة دقيقة من منظمات المجتمع المدني لكل تجاوز أو تهديد لسلامة وأمن الأفراد داخل المساجد والمراكز الثقافية. يجب أن يكون المجتمع المدني هو العين الساهرة التي تفضح الممارسات الطائفية وتدافع عن المعتدلين.
إن المعركة اليوم ليست معركة فكرية فحسب، بل هي معركة وجود. إنها معركة حماية الجالية من أن تتحول إلى ورقة ضغط سياسية في يد نظام لا يرى في المغاربة سوى أرقاماً تضاف إلى قائمة أتباعه. يجب أن نرفع صوتنا عالياً، وأن نرفض هذا الاستغلال الرخيص للدين من أجل السياسة. فإما أن نتحرك الآن، بأسلوب حاد ومزلزل يوازي خطورة الموقف، وإما أن نتحمل مسؤولية ضياع جيل بأكمله، وتحويل أوروبا إلى ساحة صراع طائفي لا نهاية له. كفى صمتاً، وكفى تقاعساً! إن الوطن في أوروبا يناديكم.