العميد الممتاز فؤاد السباع مسار مهني حافل بالعطاء و الإنضباط

العميد الممتاز فؤاد السباع

عبد الكريم الحساني – موطني نيوز 

من كلميم إلى الدار البيضاء..البدايات الأولى.

وُلد العميد الممتاز فؤاد السباعي في 22 شتنبر 1963، ونشأ على قيم الانضباط والمسؤولية التي انعكست لاحقًا فيه مساره المهني الطويل داخل المديرية العامة للأمن الوطني. بعد اجتيازه بنجاح لمباراة مفتشي الشرطة، التحق بالمعهد الملكي للشرطة سنة 1990، حيث تلقى تكوينًا دقيقًا في مختلف التخصصات الأمنية. وبعد سنة من التدريب، عُيّن بمفوضية الشرطة بمدينة كلميم، حيث بصم على أداء متميز في مصالح الاستعلامات العامة والأمن العمومي والشرطة القضائية، ما أكسبه خبرة ميدانية مبكرة أهلته لتحمل مسؤوليات أكبر.

التحاقه بالدار البيضاء وبروز اسمه في العمل القضائي.

في سنة 1993، التحق العميد السباعي بالقسم القضائي الخامس بمدينة الدار البيضاء، ليبدأ مرحلة جديدة من مسيرته المهنية داخل مصالح الأمن الحضري بالحي المحمدي. عمل حينها في فرقة مكافحة المخدرات ثم الفرقة الجنائية الأولى، حيث أبان عن كفاءة عالية في التحري والبحث الميداني.
وخلال تلك المرحلة، تم تكليفه بمهام دعم في عدد من المدن المغربية، أبرزها العيون، حيث تمكن من اجتياز مباراة ضباط الشرطة الخارجيين بنجاح، ليعود إلى الدار البيضاء متوجًا بالصفة الضبطية، ومتحفزًا لمواصلة التكوين الأكاديمي والميداني.

التحصيل العلمي والتدرج في المسؤوليات.

لم يتوقف طموح العميد السباعي عند حدود الممارسة الميدانية، إذ واصل دراسته الجامعية موازاة مع عمله الأمني إلى أن حصل على الإجازة في القانون الخاص سنة 1996. بعد ذلك تمت ترقيته كإطار بالفرقة السياحية لأمن أنفا، حيث شارك في تكوين الأطر الشابة بعد أن تلقى تدريبًا خاصًا بالمعهد الملكي للشرطة بالقنيطرة، مكّنه من الإشراف على فرق متعددة داخل المجال السياحي والأمني.

وبفضل جديته وكفاءته، التحق بالعمل في الدائرة الثالثة للشرطة (حاليًا دائرة الروداني)، حيث شغل منصب نائب رئيسها قبل أن يترأسها بعد حصوله على رتبة عميد شرطة.

كما أشرف على تدبير عدد من الدوائر الأمنية التابعة للأمن العمومي بولاية أمن أنفا، من بينها الدائرة الخامسة (بنجدية) والدائرة الحادية عشرة (باشكو)، حيث كان نموذجًا في حسن التسيير والانضباط الإداري.

ريادة في تسيير مصالح حوادث السير.

في سنة 2010، شهدت ولاية أمن الدار البيضاء إحداث مصلحة حوادث السير غاندي، وأسندت رئاستها إلى العميد الممتاز فؤاد السباعي، الذي كان حينها أول عميد شرطة يتوفر على تكوين أكاديمي متخصص في هذا المجال.

وبفضل خبرته التنظيمية، ساهم في إرساء منهجية حديثة في تدبير قضايا حوادث السير، مع التركيز على التكوين المستمر للموظفين وتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.

وتقلّد لاحقًا مسؤوليات مماثلة بمصالح حوادث السير بنجدية ثم حوادث السير بالطريق السيار بالمحور الداخلي، حيث واصل إشعاعه المهني.

ولم يتوقف شغفه بالعلم، إذ حصل على إجازتين إضافيتين في الدراسات الإنسانية وعلم النفس، ما يعكس رغبة مستمرة في تطوير ذاته وفهم أعمق للسلوك الإنساني في الميدان الأمني.

قيادة حكيمة في منطقة الفداء مرس السلطان.

في سنة 2019، توجت مسيرته المهنية بتعيينه رئيسًا لدائرة الشرطة مردوخ التابعة لمنطقة الفداء مرس السلطان، حيث واصل أداء مهامه بكفاءة عالية إلى حين إحالته على التقاعد.
تميّزت فترته هناك بالصرامة في تطبيق القانون، إلى جانب روح المسؤولية والتواصل الإيجابي مع الساكنة والمرتفقين، مما جعله يحظى باحترام كبير من رؤسائه ومرؤوسيه على حد سواء.

في قلب الأحداث الكبرى.

عرفت مسيرة العميد الممتاز فؤاد السباعي العديد من المحطات الحاسمة، أبرزها مشاركته في فك رموز عدد من القضايا المعقدة، من بينها قضية “نينجا” التي اشتغل عليها إلى جانب العميد الممتاز عبد الجبار بوهبرة أطال الله في عمره، بالإضافة إلى قضايا تتعلق بالسرقات الموصوفة والعصابات المتمرسة والعلاقات غير الشرعية والخيانة الزوجية.

غير أن أبرز محطة بقيت راسخة في ذاكرته المهنية تبقى أحداث 16 ماي 2003 بالدار البيضاء.

ففي صباح ذلك اليوم المأساوي، وبينما كان على متن سيارة المصلحة بشارع مولاي يوسف، سمع دوي انفجار قوي بالقرب من القنصلية الأمريكية. هرع العميد السباعي رفقة الضابط الممتاز عبد العزيز مستعد إلى موقع الانفجار، ليعاينا مشاهد مروعة لأشلاء متناثرة ودمار واسع.

ومع توالي الأحداث، تولى تنسيق التدخلات الميدانية بين الفرق الأمنية، وساهم في عمليات المعاينة وتأمين محيط القنصلية البلجيكية بعد انفجار ثانٍ عنيف.

تلك اللحظات العصيبة كانت من أكثر الفترات قسوة في مسيرته، لكنها جسدت روح المسؤولية والتفاني في أداء الواجب الوطني.

مواقف إنسانية راسخة في الذاكرة

لم تقتصر تدخلاته على الجانب الجنائي فحسب، بل شارك في مهام إنسانية صعبة، مثل حادثة انهيار منزل بحي بورݣون التي خلفت ضحايا كُثر، حيث قاد عمليات الإنقاذ والمعاينة بشجاعة واتزان.

اختتم العميد الممتاز فؤاد السباعي مسيرته الأمنية بعد أكثر من ثلاثة عقود من الخدمة المتواصلة، تميزت بالانضباط المهني، والالتزام الأخلاقي، والحرص على صون كرامة المواطن وخدمة المصلحة العامة.

جمع في شخصه بين الصرامة القانونية والبعد الإنساني، وبين الخبرة الميدانية والرؤية الأكاديمية، فكان نموذجًا لرجل أمن مثقف، مخلص، وهادئ في تعامله مع زملائه ومرؤوسيه.

وفي ختام هذا المسار الزاخر بالعطاء، يظل اسم العميد الممتاز فؤاد السباعي شاهدًا على جيل من رجالات الأمن الوطني الذين نذروا حياتهم لخدمة الوطن والمواطنين، في صمت ونكران ذات، دون انتظار تكريم أو تصفيق.

رحلة مهنية مشرّفة تُسجَّل بحروف من الوفاء في سجل المديرية العامة للأمن الوطني، وتبقى قدوة للأجيال القادمة من حماة الأمن والاستقرار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!