المملكة المغربية العصيّة أو حين يصبح النباح دليلاً على نجاح المسيرة الملكية

الحسين بنلعايل مدير مكتب موطني نيوز في بلجيكا

الحسين بنلعايل – موطني نيوز 

في سجل الأمم، هناك دول تمرُّ كالهوامش، وهناك دولٌ تكتب التاريخ بمداد من ذهب ومواقف من فولاذ. والمملكة المغربية الشريفة تنتمي، دون أدنى شك، إلى هذا الصنف الثاني. إنها ليست مجرد بقعة جغرافية على الخريطة، بل هي فكرة عميقة، وتاريخ ممتد، وثبات يشبه وقفة جبال الأطلس الشامخة التي لا تهزها عواصف الرمل العابرة. وكما هي العادة مع كل ما هو شامخ وثابت، فإن الأصوات النشاز والضجيج المفتعل لا يتوقفان، في محاولة يائسة لكسر هذا الشموخ أو حتى خدشه. لكن هيهات، فالمغرب، وكما أثبت على الدوام، يظل “خطاً أحمر” عصياً على كل المؤامرات والدسائس التي تُحاك في الظلام، سواء في غرف مغلقة أو عبر منابر مأجورة تتخذ من قارات أخرى مقراً لها.

إن ما نشهده اليوم ليس حرباً تقليدية، بل هو فصل جديد من فصول “الارتزاق” المعاصر. لم نعد نتحدث عن مرتزقة يحملون البنادق، بل عن مرتزقة يحملون الأقلام المسمومة والميكروفونات المأجورة. نتحدث عن “شبكات” منظمة، تتخذ من بعض العواصم الأوروبية، ومن كندا على وجه الخصوص، ملاذاً آمناً لبث سمومها. هذه الشبكات، التي لا تملك من أمرها شيئاً سوى تنفيذ ما يُملى عليها، تظن واهمة أنها قادرة على النيل من وحدة مملكة تمتد جذورها لأكثر من اثني عشر قرناً. إنهم يراهنون على حصان خاسر، ويستثمرون في سراب، لأنهم ببساطة لم يفهموا بعد طبيعة هذا الوطن أو معدن أهله.

المثير للسخرية في مسرحية هؤلاء المرتزقة هو “القناع” الذي يرتدونه. يختبئون خلف لافتات برّاقة، ويتشدقون بمصطلحات نبيلة كـ “حقوق الإنسان” و “حرية التعبير”. لكن، ما أن تزيح الستار قليلاً، حتى تكتشف الحقيقة العارية: هذه الشعارات ما هي إلا واجهات زائفة، و “حصان طروادة” لخدمة أجندات خارجية باتت معروفة للقاصي والداني. إنها أجندات لا يهمها الإنسان المغربي، بل تهدف حصراً إلى زعزعة استقرار المغرب، والتشويش الممنهج على قضاياه الوطنية، وفي قلب كل هذا، وبؤرة كل هذا الاستهداف، تكمن قضيتنا الأولى: قضية الصحراء المغربية. هذا هو الهدف الحقيقي، وما عداه ليس إلا غباراً لتغطية المسير.

لماذا هذا السعار المحموم الآن؟ الجواب بسيط ويكمن في نجاحات المغرب. حين تفشل في الميدان، وتُهزم في الدبلوماسية، وتُصفع بالاعترافات الدولية المتتالية بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، وحين ترى القنصليات تُفتتح في العيون والداخلة كشواهد على نصر مغربي لا رجعة فيه، ماذا يتبقى لك؟ لا يتبقى سوى الصراخ في المنابر البعيدة. ما تفعله هذه الشبكات ليس نضالاً، بل هو ردة فعل يائسة على الانتصارات المغربية. إنهم لا يهاجمون المغرب لأنه ضعيف، بل يهاجمونه لأنه أصبح قوياً ومؤثراً، ولأنه يسير بخطى ثابتة نحو ترسيخ مكانته كقوة إقليمية وازنة، بفضل الرؤية السديدة لجلالة الملك محمد السادس، نصره الله.

لكن المخططين لهذه الحملات، ومن ينفذونها، يغفلون عن حقيقة جوهرية، أو ربما يتغافلون عنها. إنهم لا يدركون أن كل ضربة يوجهونها إلى المغرب ترتد عليهم، لا لشيء إلا لأنها تصطدم بجدار التلاحم الوطني. هذه الهجمات لا تفرق المغاربة، بل توحدهم. لا تضعف الجبهة الداخلية، بل تزيدها صلابة. إنهم يمنحوننا، دون أن يدروا، خدمة جليلة، إذ يذكروننا في كل مرة بأن الخطر الخارجي يستدعي رص الصفوف والالتفاف الأبدي حول ثوابت الأمة: الوطن، والملك، والمؤسسات. إن الإجماع الوطني حول قضية الصحراء، وحول حماية استقرار البلاد، ليس شعاراً سياسياً، بل هو عقيدة راسخة في وجدان كل مغربي ومغربية، من طنجة إلى الكويرة.

إنهم ينفقون الملايين، ويجندون الأبواق، ويشترون الذمم، ويصنعون التقارير الكاذبة. ولكن الله غالب على أمره. إنهم يغبيون عن الحقيقة الإلهية الخالدة: “ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين”. مكرهم مكشوف، ومخططهم مفضوح، ومسعاهم خائب. لأن ما يبنى على الباطل لا يمكن أن يهزم ما أسس على الحق. المغرب يبني، يطور، يطلق الأوراش الكبرى، من موانئ عملاقة إلى طاقات متجددة، ومن شبكات حماية اجتماعية إلى بنية تحتية قارية. هم، في المقابل، لا يتقنون إلا الهدم، والتشكيك، ونشر اليأس. والتاريخ علمنا دائماً أن البناء هو الذي يبقى، أما الزبد فيذهب جفاءً.

قد يظن البعض أن انشغال المغرب بمسيرته التنموية وإصلاحاته الداخلية هو ضرب من الغفلة أو تجاهل لصغائر هؤلاء المرتزقة. وهذا خطأ فادح في التقدير. إن المغرب، الدولة الأمة الضاربة في جذور التاريخ، لا يُشغل نفسه بالرد على كل صوت نكرة أو كل فقاعة إعلامية ممولة. القافلة المغربية تسير نحو هدفها، ولا وقت لديها لتضييعه مع من يحاولون عرقلتها بحجارة صغيرة. لكن، وهذا هو الأهم، هذا التركيز على البناء لا يعني أبداً التساهل في حماية السيادة. الصبر المغربي استراتيجي، والحكمة المغربية عريقة، لكن حين يستدعي الأمر، وحين يتم تجاوز المسموح به، فإن المملكة تعرف جيداً كيف تضع حداً لهذه المهازل، وكيف تُسكت الأصوات النكرة، وتُفشل كل المخططات الدنيئة بأساليبها الخاصة، وفي الوقت الذي تراه مناسباً.

ليعلم هؤلاء، ومن يقف خلفهم، أن المغرب الذي يمد يده بسلام للعالم، هو نفسه المغرب الذي لن يتسامح أبداً مع من يمس وحدته الترابية أو يحاول زعزعة استقراره. إنها معادلة بسيطة: الاحترام مقابل الاحترام، والمؤامرة مقابل الحزم. إن هذه الشبكات، ومن يدور في فلكها، ليست سوى أدوات رخيصة في لعبة أكبر منهم، وسينتهي بهم المطاف في مزبلة التاريخ، كما انتهى من سبقوهم ممن عادوا هذا الوطن. سيبقى المغرب شامخاً، وستبقى رايته خفاقة، وسيبقى التلاحم بين العرش والشعب هو الصخرة التي تتحطم عليها كل أحلام الواهمين وأضغاث المرتزقة. فالوطن ليس سلعة للمساومة، وسيادته ليست محلاً للابتزاز، والمغرب، كان وسيبقى، خطاً أحمر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!