
المصطفى الجوي – موطني نيوز
في صباح اليوم الاثنين الثالث عشر من أكتوبر لعام 2025، شهد مقر جماعة بنسليمان حادثاً استثنائياً تمثل في اندلاع حريق بنخلتين والمساحة المجاورة لهما وسط المقر الجماعي. وقد أسفر التدخل العاجل والمنظم لرجال الإطفاء عن إخماد النيران التي كانت تهدد بامتدادها إلى مجموعة من السيارات المركونة في المكان، مما حال دون تحول الحادث إلى كارثة محققة. غير أن الوقائع الميدانية سرعان ما أخذت منحى أكثر تعقيداً، حيث كشفت مشاهدات كاميرات المراقبة عن تحركات مشبوهة لشخص غريب، في مؤشر أولي على احتمال عدم براءة الحادث. وقد استدعت خطورة الواقعة، التي تجمع بين استهداف ممتلكات عمومية ووجود مقرات إدارية حساسة، حضوراً ميدانياً مكثفاً لسلطات الأمن والتحقيق، تمثل في حضور والي الأمن السيد فؤاد الاعرج شخصياً، إلى جانب رئيس الشرطة القضائية السيد سعيد الطالبي ومصالح الشرطة العلمية الى جانب عناصر الدائرة الأمنية الأولى، وذلك من أجل فتح بحث قضائي معمق في ظروف وملابسات هذه النازلة.

رغم أن التحقيقات لا تزال في بدايتها ولم تفض بعد إلى نتائج قاطعة بشأن أسباب الحريق، فإن المعلومات الأولية المتداولة تشير إلى احتمال كونه حريقاً مفتعلاً. هذا الاحتمال يفتح الباب أمام تساؤلات جوهريّة تمس صلب الأمن المحلي. فأبرز ما يثير الاستغراب في هذه الواقعة، وفقاً لمعطيات الميدان، هو ذلك التقرير الذي سجلته كاميرات المراقبة عن تحركات فرد غريب، وفي سياق عام أصبح فيه مقر الجماعة والباشوية يعجان بأعداد متزايدة من ذوي السوابق العدلية. وهذا الواقع يستدعي وقفة قانونية وإدارية جادة؛ فوجود أفراد من ذوي التاريخ الإجرامي بشكل لافت يوميا في محيط مؤسسة عمومية حيوية مثل مقر الجماعة، والذي يضم أيضاً مقر الباشوية، ليس مجرد ظاهرة اجتماعية عابرة، بل هو قضية أمنية بالدرجة الأولى تثير جملة من الالتزامات القانونية.

السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح هو: ما هو الدور الفعلي الذي يضطلع به أفراد من ذوي السوابق العدلية داخل فضاء جماعي إداري بتواجدهم اليومي؟ وهل يتوافق هذا الوجود مع مبادئ السلامة والأمن التي يجب أن تكرسها الإدارة لموظفيها ومرتفقيها؟ إن صمت الجهات المعنية، أو ما يمكن تفسيره على أنه تساهل في التعامل مع هذه الظاهرة، يطرح علامات استفهام أكبر حول طبيعة هذا الصمت نفسه. هل هو ناتج عن خوف من مواجهة هذه الفئة وما يمكن أن تمثله من تهديد محتمل؟ أم أنه يعكس عدم تحمل للمسؤولية القانونية والإدارية الملقاة على عاتق المسؤولين عن حفظ الأمن والنظام العام في هذا النطاق الترابي؟ إن القانون يوجب على السلطات المحلية والأمنية اتخاذ كل التدابير الوقائية والزجرية الكفيلة بضمان سلامة الأشخاص والممتلكات العمومية والخاصة.

لأن حادث الحريق، بغض النظر عن نتائج التحقيق النهائية، يمثل جرس إنذار لا يمكن تجاهله. فهو يكشف عن خلل أمني واضح في حرم إداري يفترض أن يكون نموذجاً للاستقرار واحترام القانون. إن استمرار وجود أشخاص مشبوهين، معروفين لدى العدالة، في محيط ووسط المرفق العمومي يشكل انتهاكاً ضمنياً لمبدأ الطمأنينة العامة الذي يعتبر من المرتكزات الأساسية لأي سياسة أمنية ناجحة.

وعليه، فإن التحرك العاجل والملموس الذي قامت به مصالح الأمن والتحقيق يجب أن يمتد ليشمل معالجة جذرية لهذه الظاهرة المقيتة. فالمواطنون والموظفون على حد سواء لهم الحق في الاشتغال والراحة داخل فضاء آمن، بعيداً عن أي تهديد أو إزعاج. ومن هنا، فإن التطلع يظل متجهاً نحو السيد الباشا والسلطات الأمنية لكي يتدخلا وتكون لهما اليد العليا في التصدي لهذه الآفة، من خلال تعزيز التواجد الأمني، وتكثيف عمليات التفتيش والمراقبة، وتطبيق القانون بحزم على كل من تسول له نفسه العبث بأمن الجماعة واستقرارها. فالصمت أو التردد في معالجة مثل هذه الملفات لا يعطي إلا رسالة خاطئة بتعزيز حالة الإفلات من العقاب، وهو ما لا يمكن قبوله قانونياً أو أخلاقياً.