الولاء قبل الكفاءة..فساد تشرعنه السياسة ويلمعه الإعلام!

المصطفى الجوي

المصطفى الجوي – موطني نيوز

ها هي الحلقة المفرغة تتكرر من جديد، ورائحة الفشل المتعفنة تفوح من كل مكتب تم تزيينه بمسؤول جديد. إنها المعادلة القديمة المتجددة، حيث يعلو صوت الولاء السياسي على نداء الكفاءة، وتتغلب المصالح الشخصية الضيقة على المصلحة الوطنية العليا. النتيجة؟ مسؤول فاشل في أدائه، فاسد في سلوكه، مُحمَّل بعلل القصور منذ اليوم الأول، لكنه يُفرض على الشعب فرضاً بآلتين، وزارة الداخلية التي  تعينه على علته، وإعلام منبطح ينفخ في صورة وهمية لقائد لم يخلق والأمثلة كثيرة.

هذه ليست مجرد إشكالية إدارية، بل هي جريمة كبرى تُرتكب بحق الوطن والمواطن. فوزارة الداخلية، التي يفترض أن تكون حصناً للدولة وضامناً لكفاءة أجهزتها، تتحول في هذه المعادلة الخبيثة إلى ماكينة لترسيخ المحسوبية والزبونية. إنها تقدم للشعب بعض المسؤولين مرضى بالعجز الفكري والخلل الأخلاقي، بعد أن غسلت ملفاتهم ببياض الحزبية أو الولاءات الشخصية وشرعنت فشلهم بقرار تعيين لا يسأل عنه أحد. إنها تغذية للدولة العميقة بدماء فاسدة، تضمن استمرار هيمنة التسلط على حساب الوطن.

وفي الجهة المقابلة، يقف الإعلام ومؤسساته، لا كمرآة للواقع أو صوت للحقيقة، بل كورشة لتلميع الفاسدين وتزيف الحقيقة وترويج الأوهام. إنها تنفخ في صورة المسؤول الفاشل حتى تبدو وكأنها تمثال لزعيم ملهوم وهي تعلم جيدا أنه نفس المسؤول الذي فشل مهمته السابقة وتم تنقيله حتى لا ينكشف أمره إلى إقليم أو مدينة آخرى. فتختلق الإنجازات حيث لا يوجد سوى الإخفاق، وتصنع البطولات من بطولات ورقية دونكشوتية، وتقدم الفشل على أنه نجاح باهر، والفساد على أنه حنكة سياسية. إنها ليست صحافة، بل هي ديسك لتحويل السموم إلى حلوى مسمومة يقدمها الإعلام للشعب على طبق من فضة. وفي الشريعة الإسلامية يعتبرون ذلك شهادة زور وتلميعا للباطل على حساب الحق متناسين ان الباطل كان زهوقا.

والنتيجة الحتمية لهذه الجريمة المزدوجة هي أن تدفع البلاد والعباد الثمن. تهدر الطاقات، وتضيع الموارد، وتتعطل المشاريع، وتباع المناصب في سوق النخاسة السياسية وحتى الحزبية، ويظل المواطن البسيط هو الوقود الذي يغذي هذه الآلة القاصرة. يصبح الفساد نظاماً، والفشل سياسة، والوطن ساحة لتصفية حسابات الزبائنية والحزبية.

إنها ليست مصيبة عابرة، بل هي منهج حكم قائم على إهدار العقول واستبعاد الكفاءات لصالح ولاءات مشبوهة ومصالح ضيقة. فما قيمة وطن يتحول إلى غنيمة للجهات حزبية وآخرى سلطوية متجذرة في مفاصل الدولة، وما قيمة مؤسسة تتحول إلى مقبرة للكفاءات تحت ركام المسؤولين الفاشلين؟ إنها الصفقة الآثمة التي تذبح مستقبل الأجيال على مذبح الولاء الأعمى والفساد المقدس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!