
المصطفى الجوي – موطني نيوز
جمر الغضب لا يزال تحت رماد الصمت في بنسليمان. في قاعة الاجتماعات التي احتضنت دورة أكتوبر العادية لجماعة بنسليمان، لم تكن الأجواء عادية إطلاقاً. كان المشهد أشبه بمسرحية سلطوية مكشوفة، حيث تحوّل الفعل الإداري إلى فعل قمعي، والسلطة إلى أداة للقهر والمنع. النقاش حول منح الجمعيات، ذلك البند الحيوي الذي يمس شرايين المجتمع المدني، تحول إلى ساحة معركة خفية، حيث تتداخل السياسي بالسلطوي في رقعة شطرنج كبيرة يحركها عامل الإقليم بعيداً عن أنظار الرقابة ومبادئ القانون.
اللافت في الأمر أن العامل استند إلى حكم قضائي يخص دورة استثنائية لشهر نونبر 2024، والتي ألغيت بكامل بنودها البالغة 13 بنداً. لكن السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح، لماذا تم التركيز فقط على بند منح الجمعيات وتجاهل باقي البنود؟ هل أصبح الحكم القضائي انتقائياً يُطبّق حيث تشاء السلطة وتتجاهله حيث تشاء؟ أم أن الأمر يتعلق باستغلال نفوذ واضح وشطط في استعمال السلطة؟
الحكم القضائي المذكور لم يعد نهائياً، فهو لا يزال تحت طائلة الطعن بالنقض، ومع ذلك تم توظيفه لتعطيل عمل الجماعة برسم ميزانية 2025. هنا مربط الفرس. فكيف يحق للسلطة الإقليمية أن تتدخل في مقررات مجلس جماعي يتعلق بميزانية جديدة بناءً على حكم يخص دورة استثنائية من العام الماضي؟ أليس هذا تجاوزاً صارخاً للصلاحيات وتحويلاً للقضاء من ضمان للحقوق إلى أداة للتصفية السياسية؟
الأمر لا يخلو من سخرية مريرة. فبينما تستفيد جميع جمعيات المملكة من المنح، تظل بنسليمان المدينة “الاستثنائية” في الحرمان. استثنائية في تعطيل مشاريعها، استثنائية في خنق جمعياتها، واستثنائية في ثقافة الكراهية والحقد التي تزرعها بعض الأيادي الخفية. العامل هنا لا يبدو مجرد موظف سلطوي ينفذ التعليمات، بل طرفاً في لعبة أكبر، حيث يُستخدم القانون كغلاف لممارسات لا قانونية.
الغريب في هذه المعمعة أن جماعة بنسليمان تتحول إلى كيان هشّ أمام تدخل السلطة، بينما يقف مستشاروها عاجزين عن الدفاع عن أبسط حقوقهم. أين القسم القانوني للجماعة؟ وأين محاميها؟ أليس من واجبهم مواجهة هذه التجاوزات بكل حزم؟ يبدو أن الصمت أصبح سيد الموقف، وهو صمت يزيد من جرأة السلطة في الاستمرار في شططها.
الرسالة التي وجهها عامل الإقليم إلى الجماعة ليست سوى حلقة في سلسلة من التصرفات التي تكرس ثقافة الخضوع والإذلال. إنها محاولة لتحويل الجماعة إلى دمية تتحرك بأيدي غير مرئية، وتذكير للجميع بأن الكلمة الفصل ليست للقانون، بل لأهواء السلطة. ما يحدث في بنسليمان ليس شأناً محلياً عابراً، بل نموذجاً خطيراً لاختراق مبدأ استقلالية الجماعات الترابية، وهو المبدأ الذي يفترض أن يكون حجر الزاوية في بناء الديمقراطية المحلية.
ليبقى السؤال الأكبر يظل معلقاً، إلى متى ستظل بنسليمان رهينة صراعات غير معلنة؟ وإلى متى ستستمر السلطة في استعراض عضلاتها على حساب حقوق المجتمع وكرامته؟ الجواب لن تأتي به القرارات السلطوية، بل سيصنعه صوت الحق والقانون، حين يعودان إلى مكانهما الطبيعي.
لكن يبدوا ان بنسليمان لا قانون فيها ولا شرعية الى أن يرث الله الأرض ومن عليها.