تعد نظرية سيسيرون (Cicero’s Theory) إحدى النظريات الشائعة لشرح ظاهرة الفساد في المؤسسات والحكومات. وتتمثل هذه النظرية في القول بأن الفساد يحدث عندما يفقد المسؤولون عن الحكم ثلاثة عناصر أساسية وهي : الخيرية (Benevolence) والكفاءة (Competence) والأمانة (Honesty). وعندما تفقد هذه العناصر، يصبح من السهل على الأفراد استغلال النظام لتحقيق مكاسب شخصية.
في السنوات الأخيرة، شهد المغرب تزايداً في ظاهرة الفساد، وهو ما دفع الحكومة إلى اتخاذ عدة إجراءات للحد من هذه الظاهرة (لا أقصد بكلامي الحكومة الحالية لأنها وبكل بساطة لم تقم بشيء). ومن بين هذه الإجراءات، التي بدأت في التطبيق عام 2017، إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد. والتي عهد لها، حسب المادة الثانية من المرسوم، على الخصوص، تتبع تنفيذ الاستراتجية الوطنية لمكافحة الفساد من خلال تقديم كل مقترح بشأن مجالات مكافحة الفساد ذات الأولوية، وكذا تقديم كل مقترح بشأن المشاريع والإجراءات الكفيلة بتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد ونشر قيم التخليق والشفافية في المرافق العمومية.
ومع ذلك، مازال الفساد حاضراً في عدة مجالات في المجتمع المغربي، بما في ذلك القطاعات الحكومية والشركات الخاصة والنظام القضائي. وترجع أسباب هذا التزايد إلى عدة عوامل، بما في ذلك الفقر والعدالة الاجتماعية والإدارة الضعيفة وعدم وجود تشريعات قوية وفعالة لمكافحة الفساد.
ومن أجل مكافحة هذه الظاهرة، تحتاج الدولة المغربية إلى تعزيز الشفافية والمساءلة وتحسين الإدارة العامة، وتعزيز قدرات هيئة مكافحة الفساد وتطبيق القوانين بشكل صارم وفعال. وعندما يتم ضمان هذه العناصر، فإن ظاهرة الفساد ستنحسر تدريجياً وستعود الخيرية والكفاءة والأمانة إلى مؤسسات الدولة.
وتتفاوت أشكال الفساد في المغرب، حيث يمكن أن يحدث في عدة مجالات، منها القطاع العام والقطاع الخاص وحتى المجتمع المدني. ومن أشكال الفساد الشائعة في المغرب، تشمل الرشوة والاحتيال وتبييض الأموال والتلاعب بالمناقصات والعمليات الإدارية غير الشفافة، والترامي على أراضي الدولة وحتى الخواص زد على ذلك ضرب الدستور في مقتل.
ويعزى التزايد في ظاهرة الفساد في المغرب إلى عدة عوامل، منها ضعف الإدارة العامة والتي تمتد إلى القطاع العام والخاص، وتفاوت في التشريعات القانونية والضريبية الخاصة بالمناقصات والعقود الحكومية. كما أن عدم وجود معايير صارمة للمساءلة والشفافية يمكن أن يسمح بوجود الفساد وأخواته، وهذا يعود إلى ضعف القدرة على فرض العقوبات على المتورطين في الفساد، وفي حالات أخرى يكون بتواطأ مع دهات نافذة. لأنه لا يعقد أن يتمادى الفاسد في فساده إلا إذا كان له الضوء الأخضر من جهات توهم المواطن المغربي بعبارة “الجهات العليا راضية علية”.
ومن أجل مكافحة الفساد، اتخذت الدولة المغربية عدة إجراءات، من بينها تعزيز الشفافية والمساءلة وتعزيز دور المؤسسات العامة والخاصة والمدنية في تحقيق الشفافية وتقليل الفساد. كما تم إنشاء هيئة مكافحة الفساد في المغرب وتعزيز قدراتها في مكافحة الفساد وملاحقة المتورطين والتي لا تزال في إطار الدراسة ولم تقدم للعدالة أي مفسد بإستثناء “مبدع” وكأن هذا الأخير حالة إستثنائية وشاذة في المغرب. علما وبحسب إستطلاع للرأي فإن في كل مدينة مغربية “مبدع”. علاوة على ذلك، تحتاج الدولة إلى تحسين الإدارة العامة وتطوير القوانين والتشريعات التي تتعلق بالمناقصات والعقود الحكومية، وتعزيز قدرة المجتمع المدني على ممارسة الضغط لتحقيق الشفافية ومنع الفساد.
ومن أجل تحقيق هذه الأهداف، تحتاج الحكومة المغربية إلى توجيه الجهود المستمرة للتحسين، والتركيز عندما يتعلق الأمر بالمساءلة والشفافية والتوعية، بالإضافة إلى تعزيز الحوكمة وتقليل الفساد في البلاد. ويجب أن يكون للمجتمع المدني دور فعال في مكافحة الفساد، حيث يمكن للنشطاء المدنيين والصحفيين والمنظمات غير الحكومية أن يقوموا بمراقبة الأنشطة الحكومية والاقتصادية وإبلاغ الجمهور عن أي ممارسات فاسدة. لكن وللأسف الشديد فالفساد إنتشر إنتشار الأورام السرطانية في الحسم، فالصحافة التي من واجبها تنوير الرأي العام تحولت من هيئة منتخبة إلى هيئة معينة بفضل حكومة الأحرار والمحيطين بها من حزب الاستقلال “يا حسرة” وحزب “التراكتور”، أما المجتمع المدني فأصبح مصيره و تمويله بيد الحكومة فلا يعقل أن كيانا يتغدى على المنح أن يعترض سبيل الفساد و المفسدين.
لأن في نظرية السيسيرون، يشير المفكر الفرنسي ميشيل فوكو إلى أن السلطة والعدالة والعلم والنظام السياسي هي أدوات القوة التي يستخدمها النظام السياسي للحفاظ على سيطرته، ويمكن استخدام هذه الأدوات لتعزيز الفساد والاحتفاظ بالسلطة والموارد والثروات في يد القلة، والقلة هي التي باتت اليوم تتحكم في زمام الأمور (ثلاثة أحزاب).
ولتجنب هذا النمط القائم على الفساد، يجب على الدولة المغربية (أنا كما لا حظتم لا أخاطب الحكومة لأنني وبكل بساطة لا أعترف بها و لا ببرامجها وتوجهاتها) والمجتمع المدني العمل معًا لتحسين الحوكمة والشفافية، وتعزيز النظام الديمقراطي والقانوني والتشريعي في البلاد. كما يجب أن يتم تعزيز العدالة وتقليل الفساد في جميع المجالات الحيوية للبلاد، من العدالة والصحة والتعليم والبنية التحتية والاقتصاد.
ففي السنوات الأخيرة، أعطى الملك محمد السادس اهتمامًا كبيرًا لمكافحة الفساد وتعزيز الحوكمة الرشيدة في البلاد، وهو ما يتجلى في تشكيل العديد من اللجان والمؤسسات المهمة المختصة بمكافحة الفساد وتحسين الحوكمة، وتشجيع الشفافية والمساءلة في مختلف القطاعات الحيوية للبلاد. والتي وللأسف تم إقبارها أو الحد من فعاليتها مع تقلد هذه الحكومة لزمام الأمور، كسحبها لقانون الاثراء الغير المشروع وعدم إصدار مرسوم ينظم عمل مجلس المنافسة.
وبالتالي، يمكن القول بأن الملك يلعب دورًا هامًا في دعم الجهود المبذولة لمكافحة الفساد في المملكة، وتحسين الحوكمة وتعزيز النظام الديمقراطي والقانوني والتشريعي في البلاد، وذلك من خلال دعم الجهود المتعلقة بمكافحة الفساد وتعزيز الشفافية والمساءلة في المملكة.