
المصطفى الجوي – موطني نيوز
ما كشف عنه “موطني نيوز” ليس مجرد تقصير إداري عابر، بل هو نموذج صارخ لآلية الفساد التي تستنزف المال العام في وضح النهار، وتحت سمع المسؤولين وبصرهم. ففي قضية تأهيل مركز العيون بجماعة عين تيزعة، تتكشف خيوط مسرحية هزيلة كان الجمهور فيها هو المواطن البسيط، والمخرجون مجهولون يحتمون بظلام الصفقات المشبوهة.
ها هو المجلس الإقليمي لبنسليمان، وفي لحظة “كرم” نادرة، يتحرك بسرعة ليقوم بدوره “التنموي”! ففي دورة يونيو 2017، يصدر مقرره بنقل أربعة ملايين درهم إلى جماعة عين تيزعة، في اتفاقية شراكة طموحة تهدف إلى تحويل المركز إلى قطعة من الجنة، تشمل طرقاً وإنارة وتطهيراً ومساحات خضراء وملعباً وحماماً. ولم يبخل السيد العامل “مصطفى المعزة” آنذاك بدعوته، ولم يتخلف أعضاء المجلس الجماعي عن أداء دورهم، فصوتوا بالإجماع في دورة استثنائية بتاريخ 09 غشت 2017 على مشروع الاتفاقية، وكأنهم يوقعون على عقد زواج جماعي بين التنمية والمواطن.
لكن هذا الزواج كان زواجاً معلناً أمام الناس، بينما العقد الحقيقي كان سراً في دهاليز المصلحة الشخصية. فالمال العام، ذلك الضيف الثقيل، نزل إلى خزينة الجماعة، ولكن لماذا نضيف إليه مساهمة الجماعة المفترضة؟ لقد اكتشفت اللعبة، فبدلاً من أن تدفع الجماعة ما يقارب خمسة ملايين درهم لتكملة المشروع، اختفت هذه الأموال في ظروف غامضة، واختصرت أحلام التنمية من ستة مشاريع إلى ثلاثة فقط، ولم تكتمل هي الأخرى. الطرق لم تُبلط بالكامل، والإنارة خافتة كضمير المسؤولين، وشبكة التطهير هي الأخرى لم تستكمل. فأين ذهبت أموال المواطنين؟
الخطيئة الكبرى ليست في التقصير، بل في الجرأة على تحويل الأموال من وجهتها الأساسية ببرودة أعصاب تثير الاشمئزاز. كيف يصوت نفس الأعضاء الذين وافقوا على بناء مساحات خضراء وملعب وحمام، على تحويل ميزانياتها لشراء سيارات؟ سيارة رباعية الدفع لرئيس الجماعة، وأخرى فلاحية لنائبه وأشياء أخرى! وكأنما تقول لنا هذه الصفقة : “خلاص، اكتفينا بالطرق الوعرة، لكن سياراتنا ستكون فاخرة”. إنه منطق اللصوصية المبطنة بثياب القانون.
ولكي تكتمل حلقة المهزلة، ها هو الحمام الذي صرفت عليه أموال طائلة (300 مليون سنتيم تقريبا) ولم يكتمل، ومع ذلك يسلم رئيس الجماعة أنداك رفع اليد للشركة المنفذة دون إتمامه، وكأنه يكافئها على فشلها! ثم يأتي “الفسخ الودي” للعقد مع الشركة التي عجزت عن إنجاز أشغال تأهيل مركز العيون، بدلاً من متابعتها قضائياً كما ينص القانون. لماذا؟ لأن المتابعة القضائية قد تفتح ملفات أفضل أن تبقى مغلقة تحت شعار “رابح رابح”.
والسؤال الذي يصرخ في وجه الضمير، أين كانت لجنة التتبع والتنسيق المشكلة من ممثلين عن الأطراف وعن العامل؟ هل قدمت تقاريرها؟ أم أن مهمتها كانت مجرد حبر على ورق؟ إن الصمت الرسمي حول هذه الكارثة هو تواطؤ صريح، وتشجيع ضمني على الاستمرار في نهب المال العام.
إن ما حدث في جماعة عين تيزعة ليس سوى حلقة من مسلسل الفساد الطويل في إقليم بنسليمان، حيث تتحول المشاريع التنموية إلى وهم كبير، والأموال العامة إلى غنائم تُقسم بين المتنفذين. إنها صفقة يدفع ثمنها المواطن مرتين، مرة عندما تُسلب أحلامه، ومرة عندما يُطلب منه الصبر والانتظار.
إننا في “موطني نيوز” نحمل المسؤولية الكاملة لكل من تورط في هذه المهزلة، من رئيس الجماعة وأعضاء المجلس، إلى اللجنة المشتركة والمجلس الإقليمي الذي سكت فصار شريكاً. ونطالب الجهات الرقابية – المفتشية العامة للوزارة الداخلية، والمجلس الأعلى للحسابات، والنيابة العامة – بالتحرك العاجل لكشف كل الخيوط ومعاقبة كل من استهان بمال الشعب. فليعلم الجميع أن شمس الحقيقة لا يمكن أن تحجب إلى الأبد، وأن عودة “موطني نيوز” لهذا الملف ستكون أقوى وأكثر إيلاماً لكل من يعتقد أن بإمكانه اللعب بكرامة المواطن ومستقبله.

