قراءة تحليلية في حوار الأستاذ محمد كفيل الأمين العام لحزب النهضة والفضيلة..الأبعاد السياسية وتحديات النظام الحزبي المغربي

الأستاذ محمد كفيل الأمين العام لحزب النهضة والفضيلة

المصطفى الجوي – موطني نيوز

في حوارٍ شائقٍ ومُحمّلٍ بفكرٍ سياسيٍ عميق، قدّم الأستاذ محمد كفيل، الأمين العام لحزب النهضة والفضيلة، تشخيصاً دقيقاً لأزمات المشهد السياسي المغربي، ملامساً الجروح العميقة في جسد النظام الحزبي والعلاقة بين المواطن والسلطة. لا يكتفي الحوار بعرض موقف حزبي ضيق، بل يتحوّل إلى وثيقة تحليلية تُظهِر تعقّد اللحظة السياسية الراهنة وتشابك عناصرها.

في قلب هذا التشخيص، تقف أزمة الثقة كشبحٍ يطارد المشهد السياسي برمته. يصف السيد محمد كفيل ببلاغة كيف تحوّلت السياسة من جسر للتواصل إلى جدار عازل، حيث “بنى الساسة والسياسيون جدراناً” مع المواطن البسيط. هذه العبارة لا تعكس مجرد استعارة بلاغية، بل تُجسّد واقعاً ملموساً يعيشه المغربي في علاقته مع الأحزاب والنخب. والخطير في الأمر، كما يُشير السيد محمد كفيل الأمين العام لحزب النهضة و الفضيلة، هو التحوّل من اللامبالاة إلى “المرحلة ديال الكره” للسياسة، وهي نقطة حرجة تهدّد الأسس الديمقراطية للنظام السياسي بأكمله في المملكة المغربية.

وتتجلّى مظاهر هذه الأزمة في الفجوة الصارخة بين الخطاب الأخلاقي البراق والممارسة العملية للأحزاب، خاصة في مسألة تزكية المرشحين. حيث ينتقد السيد الأمين العام لحزب النهضة و الفضيلة بصراحة غير معهودة الممارسات الحزبية في منح التزكيات لأشخاص “إما مشبوهين وإما لا يصلحون”، ملقياً الضوء على التناقض الصارخ بين شعارات محاربة الفساد واختيارات بعض الأحزاب للمرشحين. هذه المفارقة، بين “الخطاب شيء والواقع شيء آخر” كما يصفها، تُغذّي أزمة الثقة وتُفقد الأحزاب مصداقيتها في عيون الناخب.

وفي تحليله لمسألة الشفافية ونزاهة الانتخابات، يقدّم الأستاذ محمد كفيل قراءة نقدية لعلاقة القانون بالتطبيق. فبلادنا، حسب تشخيصه، “تعيش تضخماً في القوانين” لكن المشكل الحقيقي يكمن في “التطبيق الجيد للنص القانوني”. هذه الملاحظة تلامس أحد الأعطاب البنيوية في المنظومة السياسية والقانونية المغربية، حيث يغيب التنفيذ الفعال للقوانين القائمة. ويطالب بضرورة “تفعيل آليات الزجر مع المخالفات” و”عدم التساهل” معها، خاصة فيما يتعلق بالمال الموظف في الحملات الانتخابية، الذي يُعدّ أحد أهم أوجه الخلل في المنافسة السياسية.

وفي مسألة التمثيل النسائي والشبابي، يقدّم الحوار رؤية متوازنة تنتقد “إساءة الاستعمال” التي أفقدت آلية الكوطا روحها وجوهرها. يشير الأستاذ محمد كفيل إلى الممارسة الخطيرة لبعض الأحزاب حيث “جابوا ولادهم، جابوا الناس اللي قراب لهم” ووضعوهم في لوائح الشباب والنساء، محوّلين آليةً نبيلةً إلى وسيلة لتحقيق مصالح ضيقة. هذا التشخيص يضع يده على أحد مواطن الخلل في محاولات إصلاح النظام الحزبي من خلال آليات التمييز الإيجابي.

ويُظهر الحوار جرأةً لافتةً في نقده للإعلام الرسمي المغربي، الذي “لم يكن في مستوى الحدث” للرد على الهجمات الإعلامية ضد المغرب. كما يضع الأستاذ محمد كفيل المين العام لحزب النهضة و الفضيلة مسألة جدوى الإعلام العمومي على طاولة النقاش، خاصة مع “استنزافه للمالية العامة” دون أن يكون قادراً على مواجهة التحديات الإعلامية التي تواجه البلاد. هذا النقد يفتح الباب لتساؤلات جوهرية حول دور الإعلام العمومي وفعاليته في الدفاع عن مصالح البلاد.

لكن ربما تكون الرؤية الأكثر جرأةً في الحوار مع الأمين العام هي تلك المتعلقة بملف الجماعات الإسلامية، حيث يدعو الأستاذ محمد كفيل إلى “إدماج جماعة العدل والإحسان في المشهد السياسي” و”عدم إقصاء الإخوة ديالنا في العدل والإحسان”. هذه الدعوة تمثّل نقلةً نوعيةً في الخطاب السياسي المغربي، قائمةً على فلسفة “المغرب يتسع للجميع”. مؤكدا أن سياسة الإقصاء ليست حلاً، بل “المشاركة الحقيقية والنقاش والاستماع ومحاولة الإدماج” هي السبيل لمعالجة هذه الملفات الشائكة.

وفي الخلفية من كل هذا، يطلّ سؤال الهوية الإسلامية للحزب وتأثيرها على توقعات الناخبين. يلاحظ السيد المين العام لحزب النهضة و الفضيلة أن “المرجعية الإسلامية ما كيربحش منها بقدر ما كتوجه ليك انتقادات من خلالها”، ملمحاً إلى أن الاحتكام لمعايير أخلاقية أعلى يزيد من سقف توقعات الناخبين ويجعلهم “منتظرين منك الطهرانية وعدم الوقوع في الخطأ”.

وبالتالي، يمثّل هذا الحوار الذي تم فيه إستضافة الأستاذ محمد كفيل الأمين العام لحزب النهضة و الفضيلة وثيقةً سياسيةً مهمةً تقدم تشخيصاً شاملاً لأزمات المشهد السياسي المغربي ورؤيةً متكاملة للإصلاح. الرؤية التي يقدمها السيد الأمين العام محمد كفيل تقوم على إعادة بناء الثقة عبر الشفافية والنزاهة، وتخليق الحياة العامة، وتبني سياسة الاحتواء والإدماج بدل الإقصاء، وإصلاح الإعلام الرسمي. هذه الرؤية، وإن كانت تقدمها قوة سياسية تصفها الدولة بالصغيرة، إلا أنها تضع أسئلة جوهرية أمام جميع مكونات المشهد السياسي المغربي حول ضرورة المراجعة الشاملة والبحث عن نموذج سياسي جديد قادر على استعادة ثقة المغاربة في العمل السياسي والمؤسسات الديمقراطية.

ليبقى السؤال الذي يطرح نفسه في كل إستحقاقات ببلادنا هو : ماذا صنعت الحزاب الكبيرة للبلاد على حد قول وزير الداخلية؟ ألم تكن هي السبب في كل الازمات و الاختلالات التي تعيشها الدولة؟ أليست هي من أنتجت لنا نخبا فاسدة تتغذى على المال العام و تروي عطشها بالريع و توظيف الأهل و الأقارب؟

ولمن فاته هذا الحوار الشيق والمتميز الذي حل فيه الأستاذ محمد كفيل الأمين العام لحزب النهضة و الفضيلة ضيفا، المرجو الضغط هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!