
المصطفى الجوي – موطني نيوز
كارثة حقيقية تدفن جمالية وحياة سكان تجزئة “شمس المدينة”، التي تحولت من حلم السكن اللائق إلى كابوس يومي يختنق تحت ركام مخلفات البناء وطغيان المقاولين. لقد أصبحت هذه التجزئة، التي يفترض أنها نموذج للعمران العصري، مشهداً كئيباً يشبه ساحة حرب مفتوحة أو مطرحاً عشوائياً واسعاً، تتناثر فيه المتلاشيات والإسمنت والحجارة، بل وحتى معدات المقاولين الشخصية التي تحتل الطرقات والأزقة كما لو كانت ملكاً خاصاً لهم.

المواطن الذي دفع دمه وعرقه لبناء مسكنه بات يعجز عن السير على قدميه وحتى بسيارته في أزقة منطقته، ناهيك عن مشهد الأطفال وهم يلعبون بين أكوام من المخلفات التي تهدد صحتهم وسلامتهم. إنها فوضى شاملة تليق بمناطق غير خاضعة لأي سلطة أو قانون.

الوجه القبيح لهذه الكارثة لا يكمن فقط في الركام المادي، بل في الركام الأخلاقي والإداري الذي سمح بوصول الأمر إلى هذا الحال. فأين هي الجهات المسؤولة عن حفظ النظافة والنظام؟ أين هي الجماعة الترابية التي من واجبها المراقبة والتدخل لحماية الملك العام وصحة وسلامة المواطنين؟ يبدو أن مسؤولينا اختاروا سياسة “التغاضي” المطلق، متحولين إلى مجرد مشاهديين صامتين على معاناة يومية يعيشها السكان. والأمر الأكثر إثارة للاستفزاز هو الغياب المخيف للشرطة الإدارية، التي من المفترض أن تكون الذراع التنفيذي لضبط هذه المخالفات. فهل تم تعطيل عملها عمداً؟ أم أن هناك أمراً أعلى يمنعها من القيام بواجبها تجاه مواطنين يدفعون ضرائبهم مقابل خدمات وحماية لا يرون لها أثراً على أرض الواقع؟

الهيمنة المطلقة للمقاولين على الفضاء العام في التجزئة ليست سوى نتاج طبيعي لفراغ السلطة. لقد تجرأ هؤلاء وأصبحوا يتعاملون مع الطرقات كخلفية لمشاريعهم الخاصة، مخلفين وراءهم دماراً بيئياً وبصرياً، دون أدنى حساب أو عقاب. إنه استخفاف صارخ بحقوق السكان واستهتار بمشاعرهم، وكأنهم مواطنون من الدرجة الثانية لا يستحقون العيش بكرامة. هذا الصمت الرسمي المشبوه يطرح علامات استفهام كبيرة حول طبيعة العلاقة بين هذه الجهات وهؤلاء المقاولين.

وفي ظل هذا الغياب الكامل للدولة بمؤسساتها المحلية، لم يعد أمام الساكنة المغلوبة على أمرها سوى التوجه بصيغة استغاثة عاجلة إلى السيد الباشا كمال شتوان بسبب عجز الجماعة وتجبر المقاولين، كأمل أخير وملاذ أخير. إنهم يتوسلون إليه لمد يد الإنقاذ، وتحريك المياه الراكدة في هذه المؤسسات المتجمدة، وتحريرهم من هذا السجن المفتوح الذي أوجدته الفوضى والإهمال.

إنها صرخة يائسة من مواطنين يشعرون بالتخلي والإهانة في وطنهم. فهل ستصل صرخاتهم إلى مسامع من يملك قرار التحرير من هذا الظلم؟ أم أن شمس المدينة ستظل محتجبة خلف سحب الغبار والأنقاض إلى الأبد؟ الساكنة تنتظر رد فعل، والكارثة تتطلب حلاً عاجلاً قبل أن تتحول الحياة في التجزئة إلى مستحيل.