
المصطفى الجوي – موطني نيوز
في مشهد يعكس اختلالاً عميقاً في تدبير الشأن العمراني بمدينة بنسليمان، تتصاعد حدة التوتر بين الوكالة الحضرية والجماعة الترابية، ليتحول مواطن بسيط إلى ضحية حرب اختصاصات تسببت في كارثة حقيقية. فبينما كان المواطن منهمكاً في إجراءات شراء بقعة سكنية بالشراكة واستئجار مهندس لتقديم تصميم يلائم شروط رخصة البناء، كانت الملاحظات الفنية على التصميم، بما فيها تفاصيل الحديد والواجهة، مجرد بداية في رحلة معاناة طويلة.
السبب الجوهري لهذه الفوضى العمرانية، كما تكشف معطيات موطني نيوز، هو صراع غير معلن بين الوكالة الحضرية والجماعة بشأن مراسلة الوالي بخصوص إلزامية إحداث مرأب للسيارات تحت أرضي في البنايات التي تتكون من سفلي و ثلاثة طوابق أو أكثر. هذا الصراع البيروقراطي حول التطبيق الصارم للضوابط أو المرونة في تفسيرها، أدى إلى شلل في عمل اللجنة المختلطة المختصة بمنح الرخص، وتجميد للعديد من الملفات. وفي ظل هذا الفراغ والتردد الرقابي، وجد المقاولون المنتهزون للفرصة متنفساً لهم.
ففي تجزئة “شمس المدينة”، تم بناء بيت كامل يتكون من طابق سفلي وطابقين إلى حدود الساعة، دون الحصول على أي ترخيص، في تحد سافر للقانون. والسؤال المحير، كيف تغيب عين الرقابة عن بناء بهذا الحجم، بينما تتدخل السلطة المحلية فوراً لمجرد رؤية مواد بناء معدة لأعمال إصلاح بسيطة؟ الجواب يكمن في أن هذه البنية لم تنشأ بسبب غياب الرقابة فحسب، بل بسبب شلل الإدارة نفسها الناجم عن الصراع حول الصلاحيات والتفسيرات. فالوكالة الحضرية اعطت موافقتها في حين ان الجماعة رفضت وبين الترخيص و الرفض أمور متشابهات.
هذا الصراع الإداري هو الذي فتح الباب على مصراعيه أمام مقاولين غير محترفين، يفتقرون إلى أبسط خبرات البناء، ليمتهنوا تشييد مساكن هشة، مستغلين حاجة المواطنين ورهانهم على حلول سريعة. وهكذا، يتحول حلم المواطن في السكن اللائق إلى جحيم من المخالفات، ويصبح رهينة لسيبة عقارية منظمه تدار من خلف الكواليس.
الغريب في الأمر أن هذه البناية الغير المرخصة، رغم كل مخاطره القانونية والهندسية، لا يندرج تحت التصنيف الإداري “للبناء العشوائي” بشكل واضح لدى الجهات المعنية، ما يخلق حالة من التسيب والتماطل في معالجته. ولكن الواقع يؤكد أن أي بناء ينشأ خارج نطاق القانون، ويغيب عنه أي تخطيط أو مراقبة للسلامة ولا يتوفر على أي ترخيص، هو صورة من صور العشوائية المنظمة، حتى لو كان ضمن تجزئة مرخصة ظاهرياً.
الخلاصة أن كارثة ما يقع بشمس المدينة في بنسليمان هي نتاج تراكم إخفاقات إدارية، حيث يدفع المواطن ثمن صراعات لا ناقة له فيها ولا جمل. فبدلاً أن تتنافس الوكالة الحضرية والجماعة على خدمة المواطن وضمان حقّه في سكن قانوني وآمن، تتقاتلان على تفسير المراسيل، تاركتين الساحة لمافيات العقار لتعبث بالأمن العمراني للمدينة وتُضيع حقوق الناس. وما خفي كان أعظم، فالقضية ليست مجرد بناء غير مرخص، بل هي انهيار للثقة في المؤسسات وتقاعس في حماية المواطن من استغلال المقاولين الجشعين.
وفي إنتظار ما ستسفر عليه التحريات في الايام القادمة لنا عودة للموضوع.