المغرب على أعتاب انتخابات 2026: إصلاحات انتخابية بين رهان التحديث وإكراهات الواقع السياسي

عبد الوافي لفتيت وزير الداخلية المغربي

الحسين بنلعايل – موطني نيوز 

شهدت العاصمة المغربية الرباط مؤخراً لقاءً سياسياً هاماً جمع وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، بقادة الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان، في خطوة تُعتبر محورية ضمن سلسلة النقاشات الجارية حول مراجعة شاملة للمنظومة الانتخابية، استعداداً للاستحقاقات الانتخابية المقررة عام 2026. هذا اللقاء، الذي وصفته مصادر حزبية مطلعة بأنه “فرصة لوضع النقاط على الحروف”، يمثل البداية الرسمية لحوار موسع، من المنتظر أن تشارك لاحقاً فيه أطراف حكومية ومؤسسات دستورية أخرى.

التوجه العام الذي يبدو أنه يطغى على هذه النقاشات الأولية هو توجه محافظ، يميل إلى الإبقاء على الوضع القائم في عدة ملفات شائكة، أبرزها عدد مقاعد مجلس النواب، وإشكالية التقطيع الانتخابي، وبعض المقترحات التي شكلت في السابق نقطة خلاف بين عدد من الأطراف السياسية. هذا الميل نحو “الاحتراز” وعدم زعزعة الاستقرار السياسي القائم يطرح تساؤلات جوهرية حول قدرة هذه المقاربة على تقديم إجابات حقيقية لمطالب التحديث، أم أنها تسير في اتجاه تثبيت الوضع القائم وتكريس اختلالاته.

وفي قلب هذه الإشكاليات، تبرز قضية تمثيل مغاربة العالم، التي رغم الدعوات الملكية المتكررة منذ عام 2005 لضمان حقوقهم السياسية الكاملة، لا تزال تعاني من محدودية كبيرة. المقترحات المطروحة، مثل تعزيز التصويت الإلكتروني، تبقى خطوات تقنية غير كافية لضمان تمثيل حقيقي وفاعل لهذه الشريحة التي تشكل رافداً مهماً للهوية والاقتصاد المغربي، ما يدفع للتساؤل عن طبيعة القوى الدافعة وراء هذه المبادرات وإمكانية تحقيق توافق حزبي حقيقي يضمن تفعيلها.

على صعيد متصل، تشير الأرقام إلى تقدم نسبي في تمثيلية النساء، حيث قفز عدد النائبات من 30 نائبة عام 2002 إلى 96 في انتخابات 2021. إلا أن هذا التقدم، في غالبه، كان نتيجة لتطبيق نظام الكوتا، مما يطرح تساؤلات حول عمق المشاركة الفعلية للنساء في الحياة السياسية، وحول مدى جاهزية الإرادة السياسية لتبني آليات تضمن تمثيلاً نوعياً يتجاوز الشكلي والرمزي.

أما فيما يخص الشباب، الذين يشكلون عماد التركيبة الديموغرافية للمملكة، فلا يزال حضورهم في أروقة البرلمان هامشياً ولا يعكس حجمهم أو طاقاتهم. ورغم تقديم بعض الأحزاب، كالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، لمقترحات تهدف إلى تمكينهم سياسياً، إلا أن غياب آليات التنفيذ الواضحة، وضبابية مفهوم “لائحة الشباب”، يحول دون تحول هذه الأفكار إلى واقع ملموس، مما يستدعي أسئلة جديًا حول جدية النخب الحزبية في إفساح المجال للدماء الجديدة.

في خضم هذا المشهد المعقد، تبرز وزارة الداخلية، أو “أم الوزارات” كما يُطلق عليها، كلاعب مركزي في توجيه دفة الإصلاح. يبقى السؤال الجوهري: هل تقوم الوزارة بدور الوسيط المحايد بين الأحزاب، أم أنها تسعى إلى توجيه الإصلاحات وفق رؤية خاصة؟ وما مدى تنسيقها مع المؤسسات الدستورية الأخرى لضمان إصلاح شامل وعميق؟

الخلاصة التي تفرض نفسها هي أن الطريق إلى انتخابات 2026 محفوف بتحديات جسام. وجود مقترحات إصلاحية على الطاولة هو أمر إيجابي، لكنه غير كاف. فغياب الإرادة السياسية الحقيقية والرؤية المشتركة بين الفاعلين الرئيسيين قد يحول دون الانتقال من مرحلة التصريحات واللقاءات إلى مرحلة الإنجاز الملموس. الرهان الآن هو على قدرة هذه الأطراف مجتمعة على تجاوز الحسابات الضيقة والارتقاء إلى مستوى المسؤولية التاريخية، لضمان أن تتحول هذه الإصلاحات من حبر على ورق إلى واقع يعزز تمثيلاً حقيقياً لجميع مكونات الشعب المغربي، في الداخل والخارج، ويؤسس لديمقراطية تشاركية قوية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!