مجلس الجالية المغربية بالخارج جسر من ورق وخطاب بلا أثر

الجالية المغربية تشتكي مجلس الجالية للملك

الحسين بنلعايل – موطني نيوز 

منذ إنشائه في 2007، مُوّلدًا من رحم خطابات طموحة ووعودٍ بدورٍ ريادي، كان من المفترض أن يكون مجلس الجالية المغربية بالخارج القوة الدافعة لحماية حقوق مغاربة العالم، والصوت الذي يصدع بهم في أروقة السلطة، والمهندس الفعلي لربطهم بوطنهم. لكن بعد أكثر من خمسة عشر عامًا، لم يتحول هذا المجلس سوى إلى هيكل بيروقراطي آخر، يلفعه بريق خطابي زائف ويخفي وراءه عجزًا مزمناً عن إنتاج أي تغيير ملموس. لقد فشل في أن يكون جسرًا حقيقيًا، وتحول إلى منصة للكلام وحسب.

ينص الظهير الملكي المنظم للمجلس على كونه هيئة استشارية مهمتها الدفاع عن المصالح وتقديم التوصيات. ولكن على أرض الواقع، تم اختزال هذه المهمة النبيلة في نشاط ثقافي وفكري هامشي، يكرس نفسه لقراءة الخطابات الملكية وتحليلها، وينشغل بنشر المقالات والتقارير التي تتراكم على الأرفف. بينما تظل الملفات المصيرية للمغاربة في الخارج – من تمثيل سياسي فعلي، وخدمات قنصلية لائقة، وتسهيلات إدارية حقيقية، ودعم للاستثمار – حبيسة الأدراج ومجالاً للوعود المعسولة التي لا تُفعل.

والسؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح، أين تذهب الميزانية التي يحصل عليها المجلس من خزينة الدولة؟ الجواب واضح ومُفزع، إنها تُستنزف في مؤتمرات فاخرة، وندوات متكررة، ودراسات لا تُرى لها نتائج على أرض الواقع. بينما يعاني المغترب من تعقيد لا نهائي في أبسط معاملاته، ويشعر بالتهميش في القرارات التي تمسه مباشرة، نجد أن هذه الأموال العامة تُصرف في فعاليات تكرس للظهور الإعلامي أكثر مما تكرس للتغيير الحقيقي.

الأمر الأكثر إيلامًا هو الغياب المخزي لأي تمثيل سياسي حقيقي. فبينما تمنح دول مثل فرنسا وإيطاليا وحتى تونس لمغتربيها حق انتخاب ممثلين عنهم في البرلمان، يظل المغرب متخلفًا عن هذه الركب. لقد عجز المجلس، بمختلف تكويناته، عن دفع أي مشروع جاد لتخصيص مقاعد برلمانية للجالية، مما يحولها إلى كتلة صامتة، رغم قوتها الاقتصادية والثقافية، ومحرومة من حقها الأساسي في المشاركة في صنع القرار.

النقد الموجه لهذه الهيئة ليس ترفًا فكريًا، بل هو خلاصة مراقبة موضوعية لأدائها. لقد تحول المجلس إلى أداة للترويج الذاتي، واهتم بإرضاء الجهات العليا عبر النشاط الإعلامي الزائف، بدلاً أن يكون مدافعًا شرسًا عن حقوق من يفترض أنه يمثلهم. إن غياب المشاريع الملموسة، وعدم وجود أي تقييم علني لفعالية تدخلاته، دليلٌ قاطع على انفصاله التام عن هموم الجالية.

آن الأوان لكفّ الخطاب الإنشائي وبدء فعل عاجل وجذري. الإصلاح يبدأ بإعادة هيكلة المجلس عبر انتخابات شفافة تختار ممثلاً حقيقيًا للجالية. ويجب فتح تمثيلية فعلية في البرلمان ومجلس المستشارين دون أي تأخير. كما يجب إلزامه بالشفافية المطلقة عبر نشر تقارير دورية مفصلة عن إنفاقه وأنشطته ونتائجه. وإنشاء خلايا عملية لدعم استثمارات المغتربين وتعزيز التواصل المباشر معهم. وتحديد سقف زمني للولايات لضمان دماء جديدة وأفكار متجددة.

خلاصة القول: مجلس الجالية المغربية بالخارج، في وضعه الحالي، هو مؤسسة فاشلة في أداء مهمتها الأساسية. لقد أصبح عبئًا على الدولة والجالية معًا. الإصلاح لم يعد خيارًا، بل هو ضرورة وطنية ملحة لتحويل الخطابات الرنّانة إلى سياسات فعلية، وضمان أن يشعر كل مغربي في الخارج بأن له صوتًا مسموعًا، وحقوقًا محفوظة، ووطنًا لا يتخلى عنه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!