
المصطفى الجوي – موطني نيوز
ما زال صدى مقالنا السابق “علينا البلاغ و عليكم التحقيق و الحساب” يتردد في أروقة إقليم نسليمان، ليس كنداء استغاثة، بل كشاهد إثبات على صمتٍ مشبوه يحول دون محاسبة منتهكي المال العام. لقد أمطنا اللثام عن ملف فاضح يمسك بتلابيب الفساد، حيث تُسخر المصلحة العامة وتُهدر لتصب في قنوات المصالح الشخصية الضيقة. ولكن، وكأن شيئاً لم يكن، السلطات المعنية في سبات عميق، وكأنها تعيش في كوكب موازٍ لا تصل إليه أصوات المواطنين ولا روائح الفضائح.
فجهة بعد أخرى تتبارى في لعبة التهرب من المسؤولية. جماعة عين تيزغة، التي يفترض أنها الحاضنة الأولى للمواطن والراعية لمصالحه، تختفي خلف جدار من الصمت المطبق. والقيادة باعتبارها السلطة المكلفة، التي من واجبها أن تكون عين الشعب الساهرة، تغض الطرف وكأن الأمر لا يعنها. أما العمالة، المفترض أنها القاطرة الإدارية للإقليم، فتبدو “مشغولة” جداً بمشاريع أخرى، مثل فرض “شركة التنمية المحلية” على الجماعات، في مهمة تبدو لأول وهلة وكأنها أولوية تتجاوز في أهميتها ملاحقة من نهبوا أموال دافعي الضرائب من أبناء الإقليم.
هذا الصمت المتعمد ليس بريئاً أبداً، بل هو صرخة إدانة تفضح تواطؤاً مبطناً أو تقاعساً مقصوداً. إنه يجعلنا نتساءل، ليس فقط عن مكان هذه السلطات يوم وقوع الجريمة المالية، بل والأخطر، عن مكان ضمائرها اليوم. أين هي التقارير التي يفترض أن تكون قد حررت؟ أم أن “التقارير الإخبارية” لهذه الجهات تكتب فقط لتمجد مشاريع وهمية وتتغنى بإنجازات لا وجود لها على أرض الواقع؟
السؤال الأكثر إلحاحاً هو، من يقف خلف هذا الصمت؟ من هي الجهة التي تمتلك سلطة التستر على هذه الأفعال وتغذية ثقافة الإفلات من العقاب؟ إن تشابك المصالح وتماهي الأدوار يخلق بيئة خصبة للفساد، حيث يتحول الجميع إما إلى شريك صامت أو إلى متفرج راضٍ.
إن ما حدث في دوار أولاد بوعزة هو اختبار حقيقي لمصداقية كل من يتولى شأناً عاماً في هذا الإقليم. وهو اختبار للضمير الجماعي الذي يفترض أن يحمي المال العام كحرمة الدم. المرور مرور الكرام لم يعد خياراً مقبولاً. فالشعب الذي يدفع من عرقه وضرائبه ثمناً للخدمات، يستحق على الأقل إجابة واحدة واضحة هل سيتم فتح تحقيق نزيه يفضي إلى المحاسبة، أم أن هذا الملف سينضم إلى رفاقه في مقبرة الملفات المدفونة، ليكون دليلاً إضافياً على أن الفساد هنا بإقليم بنسليمان يحكم من خلف الطاولات؟ وفاق كل التوقعات. فأن تجهز أرض فلاحية جرداء ولا سكن فيها تتجاوز مساحتها 60 هكتار بأزيد من 300 عمود كهربائي “إسمنتي” بكل لوازمه وعلى حساب الدولة (سمح لي هاد شي بزاااف).
ولمن فاته مشاهدة الروبورطاج الذي اعده موطني نيوز المرجو الضغط هنا.