
المصطفى الجوي – موطني نيوز
ما حدث ليس مجرد تصريح عابر، بل هو زلزال من النفاق السياسي يرتجف له ضمير الأمة. بنكيران، الرجل الذي وقّع على اتفاقية التطبيع مع إسرائيل، يخرج الآن من قمقم تناقضاته ليهزّ منبر الإنذار قائلاً للقادة العرب: “عروشكم مهددة”! يا للسخرية المريرة. أليس هذا هو نفسه من بارك خطوةً رأى فيها كثيرون خيانةً للقضية الفلسطينية وتكريساً للهيمنة الإسرائيلية؟ إنها لعبة خطيرة يستخدم فيها الواعظُ التناقضَ سلاحاً لإسكات الضجيج الداخلي، وكأنه يصرخ، “انظروا إلى العدو هناك!” بينما يسرق خلفنا قوت الشعب.
لماذا يتحدث عن “الغطرسة الإسرائيلية” اليوم، بينما هو ومن معه كانوا ولا يزالون جزءاً من نظام الفساد الذي أنهك المواطن وأفقر التعليم والصحة والخدمات؟ أليست “الغطرسة الحقيقية” هي تلك التي تمارسها النخب الفاسدة ضد شعبها؟ أليست العروش الداخلية – عروش الأحزاب والمسؤولين – هي الأكثر اهتزازاً بسبب اختلاس المال العام وبيع الشركات الوطنية وتبديد ثروات البلاد في صفقات مشبوهة وسيارات فارهة؟
إن التحذير من سقوط “البيعة” هو شماعة يعلق عليها البعض فشلهم الذريع في إدارة الشأن الداخلي. البيعة ليست ورقة يُلوّح بها في الخطابات، بل هي عقد مقدس بين الحاكم والمحكوم يُبنى على العدل والنزاهة والكرامة. فإذا تخلى القادة عن مسؤولياتهم، وأغلقوا آذانهم عن صرخات المواطنين، فلا عجب أن تهتز الثقة. لكن الخطر الأكبر هو أن يأتي التذكير من رجال شاركوا في تقويض أسس هذه الثقة.
لا ننكر خطر الاحتلال الإسرائيلي ولا جوره، لكن جعل القضية الفلسطينية “كبش فداء” لأزماتنا الداخلية هو انحراف عن الجدية وتضليل للرأي العام. الأمة لا تحتاج إلى وعّاظ جديدين يرفعون الشعارات البراقة بينما خزائن الفساد مفتوحة خلف الأبواب المغلقة. بل تحتاج إلى محاسبة حقيقية، إلى رجال يشهرون سيف المسؤولية في وجه الفاسدين أينما كانوا، بدءاً من دوائرهم القريبة.
فإن كان بنكيران جاداً في تحذيره، فليبدأ بنفسه ومن يسبحون في فلكه. ليبحث عن جذور الأزمة هنا، داخل مؤسساتنا المعتلة، داخل الصفقات المشبوهة، داخل التعليم المنهار، داخل الخدمات المتردية. ليقف أمام المرآة ليسأل نفسه، من سمح للفساد أن يستشري؟ من باع القضية الوطنية في لحظة تاريخية حرجة؟ ومن هو المسؤول الحقيقي عن تدهور صورة المغرب والعرب؟
كفى تهرباً من المسؤولية. كفى استخداماً للقضية الفلسطينية ستاراً لعجزكم وفشلكم. الشعب لم يعد يصدق خطابات التضليل. لقد سقطت الأقنعة، وبقيت الحقيقة، الخيانة الكبرى هي خيانة الداخل، لا الخارج.