
المصطفى الجوي – موطني نيوز
إن المشهد الذي تُقدِّمه لنا ورقة الأنشطة التعليمية التي بين أيدينا ليس مجرد ورقة عابرة، بل هو مرآة كاشفة لواقعٍ تعليميٍّ مُزري، تشرف عليه دولةٌ بمؤسساتها وتخطيطها وسياساتها. أن يُقدَّم هذا “المحتوى” الذي لا يرقى حتى لمستوى الصف الأول ابتدائي، لتلاميذ هم على أعتاب المرحلة الإعدادية، فهذه ليست مجرد إهانة لذكاء التلميذ المغربي وقدراته، بل هي جريمة تربوية وسياسية واجتماعية تُرتكب في وضح النهار، وتُمهِّد لمستقبلٍ كاملٍ من التخلّف والتبعية.
إن الدولة التي تتباهى بالإصلاحات والاستراتيجيات الكبرى ذات الأسماء البرّاقة، تسمح لأنظمتها التعليمية أن تنتج مثل هذا الرداءة. إنه الانهيار بعينه. انهيارٌ لا يمكن تفسيره إلا بسياساتٍ متعمدةٍ تهدف إلى تجهيل الشعب، وإبقائه غارقاً في هموم اليوم البسيطة، عاجزاً عن المطالبة بحقوقه، أو المشاركة الفاعلة في بناء مستقبله. كيف لطالب في السادس ابتدائي، يفترض أنه على بعد أشهر من دخول الإعدادي، أن يُعامَل وكأنه في بداية مشواره مع الأحرف؟ أين ذهبت ميزانيات التعليم الضخمة؟ وأين ذهبت مشاريع الطوارئ؟ وأين ذهب الادعاء الدائم بإلقاء اللوم على الظروف أو الجائحة أو غيرها من ذرائع الإخفاق؟

هذا الخليط العشوائي من “الكلمات” التي تخلو غالباً من أي معنى، وهذا التمرين السخيف الذي يحمل اسم “قراءة المقطع”، هو النتيجة الحتمية لتراكم فشل الدولة. فشل في إعداد المعلم، وفشل في تأهيل البنية التحتية للمدارس، وفشل في إنتاج مناهج ذات معنى، وفشل ذريع في الرؤية. لقد تم تحويل المدرسة العمومية إلى مخزَن لأبناء الفقراء، حيث يتم “تدجينهم” بشهادة لا تساوي حبر كتابتها، بينما تُمنح الفرص الحقيقية لأبناء النخبة في مدارس البعثات والخصوصي الذي تتهافت عليه عائلات المسؤولين أنفسهم.
اللاذع هنا ليس في النقد، بل في الواقع. واقع أن الدولة تتخلى عن أهم مقوّمات وجودها وهو تعليم أبنائها. إنها جريمة صامتة، الضحايا فيها هم ملايين الأطفال المغاربة الذين حُكم عليهم بالفشل منذ اليوم الأول، والجلّاد هو نظامٌ تعليميٌّ بيروقراطيٌّ فاسدٌ، لا يهتم إلا بالإحصاءات الوهمية وإنتاج أجيال من المتعلمين اسمياً، الأميين فعلياً.

إن السؤال الذي يفرض نفسه بقوة، أي مستقبلٍ يمكن أن يُبنى على أنقاض هذا التعليم المنهوب؟ أي تنميةٍ تتحدث عنها الدولة وأجيالها القادمة لا تجيد حتى القراءة؟ إنها ليست أزمة تعليم، بل هي جريمة وطنية بكامل المقاييس. والصمت عنها، أو معالجتها بترقيعات لا تمس جوهر الإشكال، هو تواطؤ مباشر في إدامة التخلف وضمان استمرار أمةٍ من المستهلكين العاجزين، بدلاً من مواطنين فاعلين أحرار. الخيانة العظمى هي أن تسرق من الطفل حقه في أن يتعلّم، وأن تحرم الوطن من عقول أبنائه. وهذا بالضبط ما يحدث في المغرب.
فعلا يحز في الخاطر ويدمي القلب أن نرى أبناء وطننا العزيز فلدات أكبادتا أمام لوحات قرائية وحروف هجائية تقزز من قيمتهم وتحد من مهاراتهم وتقبع بهم في الدرح الأسفل إن كانت فعلا هذه المدارس رائدة فلملذا لم تعمم تجربة على باقي المدارس الخصوصية أم لغرض في نفس يعقوب حكمنا على أبناء الفقراء بالتقوقع في القعر وكبلنا أيديهم وحرمناهم من التألق والعطاء والتمرس والإبداع والتفوق وفسحنا المجال لأبناء الأغنياء في سرقة فرصهم ومستقبلهم لكي يصبحوا غدا في مراكز القرار يحكمون أبناء الفقراء وبئس المصير