
المصطفى الجوي – موطني نيوز
ورقة واحدة تكفي أحياناً لفضح عالم من الفساد الإداري والعبث بالقانون. هذه المرة، الوثيقة التي بين أيدينا هي “محضر قرارات غير عادية” لشركة “زيايدة بالاس وسبا” المصادق عليه بالمقاطعة الحضرية 12 في حي الرياض بالعاصمة الرباط بتاريخ 28 يوليو 2025، لكن تفاصيلها تخفي ما يشبه سيناريو لإعادة هيكلة الشركة بشكل يعجز أي محام أو خبير قانون عن تفسيره دون أن ترد على لسانه كلمة “غير قانوني”.
استقالات مستقبلية..إبراء عن إدارة لم تنته بعد!
في مفارقة تثير السخرية والقلق، تفيد الوثيقة المؤرخة في 28 يوليو 2025 بأن المديرة السابقة، السيدة (س.ص)، قد “استقالت” بصفة نهائية في 25 دجنبر 2025! أي أن المحضر ينص على استقالة سارية المفعول بعد خمسة أشهر من تاريخ تحريره و الحقيقة أن السيدة قد استقالت هذه مدة من سنتين تقريبا وتحديدا سنة 2023. والأكثر غرابة، أن الشريك الوحيد منحها في نفس اليوم “إبراء كامل وغير مشروطة” عن إدارتها التي لم تكن قد انتهت بعد.تماما كما هو الشأن بالنسبة للسيدة (ح.ب) التي سبق وان استقالت ومع ذلك تم تزوير تاريخ استقالتها حتى 01 دجنبر 2025 وهي بحسب ذات المحضر استقالة سارية المفعول بعد خمسة أشهر كذلك.
“هذا ليس مجرد خطأ مطبعي، بل هو إخلال جسيم بمبادئ القانون الأساسية”، فبحسب متخصصين في القانون التجاري : “الاستقالة فعل إرادي ينتج أثره فوراً. لا يمكنك منح إبراء عن فترة لم تعشها بعد. هذا يشبه أن تعطي شهادة نجاح لطالب قبل أن يدخل قاعة الامتحان. هذه الممارسة تضعف ثقة المتعاملين مع الشركة وتهدد استقرار المعاملات التجارية”.
تضارب مصالح صارخ : الوكيلة تعين نفسها مديرة!
الثغرة الأكثر خطورة تكمن في إجراءات التعيين. السيدة (أ.ر)، التي وقعت المحضر بصفتها “وكيلة” عن الشريك الوحيد، السيد عزيز البدراوي، بناء على وكالة المسلمة لها بتاريخ 21 ماي 2025، هي نفسها التي قامت “بصفتها هذه” بتعيين…نفسها مديرة جديدة للشركة إلى جانب السيد (م.م) الذي يشغل في نفس الوقت الرئيس المدير العام لمجموعة أوزون للبيئة و الخدمات.
هنا نكون أمام حالة نموذجية لتضارب المصالح. المفوض يجب أن يحقق مصلحة موكله، لكن عندما تعين نفسك، فأي ضمانة لدينا أنك فعلت ذلك لمصلحة الشركة أم لمصلحتك الشخصية؟ هذه الممارسة، وإن كانت شكلية القانون، إلا أنها تنتقص من روح القانون الذي يمنع إساءة استعمال السلطة.
محضر ناقص وأخطاء فادحة : أين القرار الخامس؟
الملف لا يخلو من السهو الفادح أو لربما سهو متعمد. فبعد القرار الرابع، ينتقل المحضر فجأة إلى القرار السادس، من دون أي أثر للقرار الخامس. هذا “الانزياح” في ترقيم القرارات، الذي قد يبدو بسيطاً، هو بمثابة “بطاقة دعوة” للشك في مصداقية الوثيقة بأكملها ومدى احترافية وإتقان من قام بصياغتها.
شبهة التلاعب : تزوير التواريخ على الطريقة المغربية
بالاطلاع على محضر القرارات “PROCES-VERBAL” ستجد مجموعة هذه الثغرات، خاصة التواريخ المستحيلة، تدفع بشدة نحو فرضية واحدة وهي أن هذه الوثيقة قد تكون جرى تحريرها وتأريخها بتاريخ لاحق لتغطية أو لإضفاء الشرعية على تغييرات في إدارة الشركة تمت بشكل غير رسمي أو حتى في ظروف مشبوهة في وقت سابق. هي محاولة لـ”غسل” قرارات سابقة بإجراءات قانونية شكلية ولكنها مليئة بالعلل.
طبيعة الصلاحيات الممنوحة وعدم الثقة
سيلاحظ كل من يطالع هذه الوثيقة اشتراط التوقيع المشترك وغير المنفصل للمديرين الجدد (أ.ر) و (م.م) على جميع المستندات المهمة (باستثناء البنكية ووسائل الدفع) هو إجراء غير معتاد في الشركات ذات الشريك الوحيد حيث الثقة عادةً ما تكون مطلقة في المدير. هذا قد يشير إما إلى وجود خلاف أو عدم ثقة بين الشريك والمديرين الجدد. أو محاولة من الشريك للاحتفاظ بسلطة فعلية رغم تعيين مديرين. أو أنه إجراء تم وضعه للتحايل على إجراءات رقابية سابقة أو لاحقة.
خطر على الاستثمار وسمعة الأعمال
قصة “الزيايدة بالاس” ليست مجرد شأن شركة واحدة. بل هي نموذج لمخاطر حقيقية تهدد بيئة الأعمال. عندما تدار الشركات بهذه الطريقة، يصبح من الصعب جداً حماية حقوق المساهمين وحتى الدائنين. وأي مستثمر سيفكر ألف مرة قبل دخول شراكة أو منح قرض إذا كانت السجلات القانونية للشركات بهذه الهشاشة وهذا التلاعب.
السؤال الذي يفرض نفسه الآن، هل الدكتور عزيز البدراوي على علم بهذا المحضر المليئ بالأخطاء و التجاوزات؟ وهل توصل بالفعل بنسخة منه ولم يثر انتباهه لكل هذه الممارسات و الاختلالات؟ وهل ستبقى هذه الوثيقة حبراً على ورق؟، أم أن الجهات الرقابية المعنية، مثل مصلحة التسجيل والضرائب ومصلحة المراقبة للشركات، ستحرك تحقيقاً شاملاً لكشف الحقيقة الكاملة وراء هذه “القرارات غير العادية” بشكلها “غير القانوني”؟ المراقبون ينتظرون.
إن هذه الوثيقة، في شكلها الحالي، ليست مجرد أوراق بها أخطاء، بل هي صفارة إنذار صاخبة تعلن عن خلل جوهري في إدارة هذه الشركة. إنها قصة تحتاج إلى تدخل عاجل قبل أن تتحول من “محضر قرارات” إلى “ورقة إثبات” في دعوى قضائية ربما يرفعها من ‘رتبطت أسمائهم بتواريخ إستقالات مزورة. لأن الخطأ يمكن أن يشمل شخص لكن أن يشمل أكثر فهذا أمر مقصود. فهذه الوثيقة، في شكلها الحالي، تشكل خطراً قانونياً على الشركة وعلى جميع الأطراف الموقعة عليها. لكونها تحتوي على ثغرات قانونية خطيرة (تواريخ مستقبلية، غياب قرار) وشبهات قوية (تضارب مصالح، مؤشرات تلاعب بالتواريخ) تجعل صحتها القانونية موضع شك كبير وتجعل القرارات الواردة فيها قابلة للإبطال أمام القضاء المغربي.
فلو كان هذا المحضر في علم السيد عزيز البدراوي وتوصل بنسخة منه لوبخهم عليهم و أمرهم بتمزيقه بسب العيوب الكثيرة التي لحقت به.


