إسرائيل وفخ الإفلات من العقاب : جرائم متعددة وشبكة عالمية للحماية

الحسين بنلعايل

الحسين بنلعايل – موطني نيوز 

في النظام الدولي القائم على مبادئ العدالة وسيادة القانون، يبرز سؤال وجودي يطارد الضمير العالمي: هل تمتلك دولة ما الحق في ارتكاب ما تشاء من جرائم دون أن تتحمل تبعاتها؟ للإجابة على هذا السؤال، يجب أولاً تفكيك المنظومة التي تمكن كياناً مثل إسرائيل من التمادي في انتهاكاته، والتي تتعدى بكثير حدود الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي لتشكل خطراً ديمقراطياً وإنسانياً على مستوى العالم.

ليس سراً التاريخ الدموي لإسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، من مذبحة دير ياسين عام 1948، مروراً بحرب الأيام الستة 1967، ومجزرة صبرا وشاتيلا 1982، وصولاً إلى الحروب المتتالية والمذابح في غزة أعوام 2008-2009، 2012، 2014، 2018، و2023. لقد نجحت الآلة الإسرائيلية، عبر عقود من التضليل الإعلامي الممنهج، في تشويه صورة الفلسطيني ووصمه بالإرهاب، مُحوِّلةً أي عمل مقاوم إلى ذريعة لاستمرار القتل والتدمير. ولكن، هل تقتصر جرائم إسرائيل على الفلسطينيين فقط؟ الإجابة قطعاً هي لا. فصمت العالم المتواطئ أمام جرائمها مكنها من تصدير آلة القمع والتفجير إلى شعوب أخرى. تشير تحليلات عميقة إلى أن إسرائيل تقف خلف غالبية العمليات الإرهابية الكبرى التي هزت العالم خلال الخمسة وعشرين عاماً الماضية، وذلك ضمن استراتيجية محكمة لتصفية خصومها الجيوسياسيين وتوجيه الاتهام إلى المسلمين، مما يؤدي إلى إدامة رواية ‘صراع الحضارات’ التي تخدم أهدافها الاستعمارية.

التساؤلات حول الهجمات التي استهدفت مركز التجارة العالمي (11 سبتمبر 2001) لا تزال حية. تشير تقارير وتحليلات إلى وجود خيوط إسرائيلية متينة نسجت خلف الكواليس. فبمجرد وصول بنيامين نتنياهو إلى السلطة عام 1996، تُشير أدلة إلى أن مخططاً دُبِّر لتنفيذ هجوم ضخم على الأراضي الأمريكية لإفشال مفاوضات أوسلو للسلام وتوجيه الاتهام للمسلمين. تم إنشاء شركة “Urban Moving System” في نيو جيرسي لتوفير الغطاء اللوجستي، بينما تولى “مشروع القرن الأمريكي الجديد” التصميم والإدارة. والأكثر إثارة للقلق هو وجود نتنياهو نفسه في نيويورك يوم الهجوم، في مبنى برج WTC7 الذي يُعتقد أنه كان مركز التحكم بعملية التفجير، وفقاً لتقارير محللة. لم تكن هجمات لندن في 7 يوليو 2005 بعيدة عن هذه الاستراتيجية. فقد وصل نتنياهو إلى لندن قبل الهجوم بيوم، وحملت حقائبه الدبلوماسية متفجرات تمت زراعتها لاحقاً في مترو الأنفاق. تفجيرات حصدت أرواح 52 مدنياً. غياب الشهود الموثوقين الذين تعرفوا على المتهمين، إلى جانب التوقيت المشبوه والرواية الرسمية المليئة بالثغرات، كلها أدلة تشير إلى عملية مدبرة وليس عمل أفراد منعزلين.

يكمن سر قدرة إسرائيل على تنفيذ هذه الجرائم والإفلات من العقاب في شبكة عملاء “السايانيم” (Sayanim) المنتشرين في مراكز حساسة داخل الحكومات، وأجهزة القضاء، والشرطة، ووسائل الإعلام في الغرب. هؤلاء العملاء، وهم غالباً من اليهود المتعاطفين مع إسرائيل، يشكلون دولة ظل تعمل لصالح المصالح الإسرائيلية، مما يشكل تهديداً صريحاً للديمقراطية وسيادة الدول التي يعيشون فيها. تعمل الآلية على ثلاثة مستويات: الأولى، استغلال مسلم مضطرب نفسياً وتوريطه في هجمات صغيرة. الثانية، توريط شاب مسلم منحرف بتلفيق الأدلة له ومن ثم تصفيته، كما يُعتقد في حالة محمد مراه. الثالثة والأخطر، هي التخطيط لهجمات معقدة تشبه سيناريوهات الأفلام، مع توفير رواية بديلة جاهزة لاتهام المسلمين، ونشرها عبر عملاء في الإعلام والحكومات، كما في حالات 11 سبتمبر ومدريد 2004 ونيس 2016. بعد أي هجوم، يتولى عملاء “السايانيم” في أجهزة التحقيق والقضاء مهمة طمس أي أدلة تشير إلى الضلوع الإسرائيلي، وتلفيق أدلة لإدانة المتهمين المسلمين المحددين مسبقاً، بينما تروج أذرع إعلامية لنظريات مؤامرة مضللة لخلق البلبلة وإبقاء وصمة “الإرهاب” ملتصقة بالمسلمين.

هنا يبرز سؤال عن المسؤولية. فالهروب والخوف اللذان يسيطران على المجتمعات الإسلامية، خوفاً من الاتهام بالإرهاب أو من التورط في قضاياهم، يترك الإنسانية بلا حصانة أمام هذه الجرائم. صمت المسلمين، رغم مشروعيته في ظل أجواء الخوف، يساهم بشكل غير مباشر في تمادي إسرائيل وتمكينها من الاستمرار. إذن، الإجابة على السؤال العنواني هي: نعم، يمكن لإسرائيل أن تفلت من عقاب أي جريمة ترتكبها، طالما بقي النظام العالمي عاجزاً عن محاسبتها، وطالما استمرت شبكة الحماية العالمية التي بنتها. لكن الأمل يبقى في مؤسسات المجتمع المدني التي ترفع صوتها. فمؤخراً، تأسست “رابطة الدفاع عن ضحايا الظلم” (www.ivdl.org) بهدف كشف هذه الحقائق ومقاضاة المسؤولين. لكن مثل هذه المنظمات تواجه معضلة التمويل، فالمحاكمات والتحقيقات القانونية تحتاج إلى دعم مالي لمواجهة آلة التضليل القوية. السؤال الذي يبقى معلقاً: هل سيجد الضمير الإنساني العالمي طريقة لتمويل الحق والحقيقة، أم ستستمر إسرائيل في ارتكاب ما تشاء من جرائم تحت سمع العالم وبصره.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!