المغرب بين إحصائيات التفاؤل وجحيم المعيشة..هل انتهى الفقر حقاً؟

المصطفى الجوي

المصطفى الجوي – موطني نيوز 

بينما تعلن المندوبية السامية للتخطيط انتصارها على الفقر المدقع باستخدام معايير مجردة، يعيش المواطن المغربي واقعاً مريراً تطحنه الغلاء وتنهشه الهشاشة. لا يمكن اختزال معاناة شعب في أرقام وإحصائيات تتعامى عن سياقها الحقيقي. فما قيمة أن تكون نسبة الفقر المدقع 0.3% وفق عتبة 1.9 دولار، بينما لا تكف هذه القيمة لشراء كوب من القهوة في المقاهي المغربية؟ إنها معايير مفصولة عن الواقع، تهدف إلى تلميع الصورة وإخفاء مكامن الخطر.

الادعاء بأن المغرب حقق الهدف الأول من أهداف التنمية المستدامة “القضاء على الفقر” هو تبسيط مضلل. فالفقر ليس مجرد رقم، بل هو انعدام القدرة على العيش بكرامة، وهو الوضع الذي يعيشه ملايين المغاربة الذين يرزحون تحت وطأة غلاء المعيشة، البطالة، وضعف الخدمات الصحية والتعليمية. فكيف يمكن الحديث عن القضاء على الفقر بينما تشير أرقام المندوبية نفسها إلى ارتفاع عدد الفقراء من 623 ألفاً إلى 1.42 مليون بين 2019 و2022؟ هذه قفزة مخيفة بنسبة 33.7% سنوياً، تكذب كل خطاب تفاؤلي.

الأكثر إثارة للقلق هو التحول الخطير في خريطة الفقر والهشاشة. فبينما كان الفقر يُعتقد أنه ظاهرة قروية، ها هو اليوم يزحف إلى المدن بسرعة مروعة. ارتفاع عدد الفقراء في المناطق الحضرية بنسبة 72.5% سنوياً هو صفعة لكل السياسات العمومية. إنه انهيار للطبقة المتوسطة الحضرية، التي لم تعد قادرة على الصمود أمام صدمات الجائحة والتضخم والجفاف. فالشاب الحاصل على دبلوم عالي الذي يعمل في وظيفة هشة، والأسرة التي تنفق ثلاثة أرباع دخلها على السكن والعلاج، هما اليوم من وجوه “الفقر الجديد” الذي تتغافل عنه عتبة 1.9 دولار.

التصنيفات الدولية لا ترحم. ففي مؤشر التنمية البشرية 2022، احتل المغرب المرتبة 123 عالمياً من أصل 191 دولة، متأخراً عن كل جيرانه في شمال أفريقيا. وفي التعليم، تحتل البلاد مراكز متأخرة في التصنيفات العالمية، حيث يصنف البنك الدولي جودة التعليم في المغرب في المرتبة 114 من 137. وفي الصحة، لا تزال الخدمات الصحية تعاني من سوء التمويل والتفاوت المجالي الصارخ، حيث ينفق المغرب أقل من 6% من ناتجه المحلي الإجمالي على الصحة، وهو نصف المتوسط العالمي.

الاقتصاد المغربي، رغم بعض المؤشرات الإيجابية، لا يخلق فرص العمل الكافية ولا يوفر حماية اجتماعية حقيقية للغالبية. فأكثر من 40% من السكان يعملون في القطاع غير المهيكل، بدون تأمين صحي أو معاش تقاعدي. وأكثر من 80% من أرباب العمل هم مشاريع فردية هشة. هذه هي الصورة الحقيقية لـ “التنمية” التي لا تلمس حياة المواطن العادي.

الخطير في الأمر هو هذا الانزياح من الفقر القروي، الذي كان يُعتبر مشكلة “تقليدية”، إلى الفقر الحضري الذي يخلق بؤراً اجتماعية قابلة للانفجار في أي لحظة. عندما يعيش نصف الفئات الهشة في المدن، بدون دعم عائلي أو قبلي، ومع ارتفاع معدلات البطالة في صفوف الشباب الحضري، فإننا أمام قنبلة موقوتة.

لا يمكن إنكار بعض التقدم الذي حققته البلاد في العقدين الماضيين، لكن اختزال كل هذا الجهد في بيان إحصائي متفائل، بينما المواطن يعاني يومياً من ارتفاع الأسعار، نقص الخدمات، وغياب الأفق، هو نوع من الانهزامية الإدارية. الحقيقة التي يجب أن تقال هي أن المغرب لا يزال يعاني من فقر عميق وتفاوت صارخ، وأن معركة التنمية البشرية الحقيقية لم تبدأ بعد. آن الأوان لقياس الفقر ليس بالدولار، بل بكرامة المواطن وقدرته على العيش بدون قلق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!