فرنسا : جرائم الكراهية في باريس..رؤوس خنازير رسالة دمٍ وحقدٍ على أبواب المساجد

امانويل ماكرو و الجمهورية العنصرية

الحسين بنلعايل – موطني نيوز 

في صباحٍ مشحون بالكراهية، استيقظت باريس على جريمةٍ بشعة تفضح العمق المرضي للعنصرية المتصاعدة في فرنسا. لم تكن أعمالاً عشوائية، بل كانت هجوماً منظماً ومتعمداً يستهدف قدسية دور العبادة ويبصق سمومه على قيم الجمهورية التي يتغنون بها. وضعت رؤوس خنازير أمام تسعة مساجد في العاصمة وضواحيها، في عملٍ إرهابي صريح لا يحمل غموضاً ولا لبساً. إنها رسالة حقد مبيتة، كتبها مجرموا النهار بمادةٍ أكثر دلالة من الحبر الأزرق الذي لطخوا به رؤوس الخنازير؛ كتبوها بالدم والاستفزاز والتحريض على الكراهية.

السلطات الفرنسية، كما هي عادتها في مثل هذه الجرائم، أسرعت إلى إدانة “البشع” وفتح التحقيقات. محافظ الشرطة يتحدث عن “أعمال مرفوضة”، ووزير الداخلية يصفها بـ”الجبانة”، والعمدة تحيل الملف للقضاء. كلماتٌ معسولة وجملٌ رنانة، لكنها تتحول إلى مجرد ضجيجٍ فارغ أمام صمتٍ مطبق عن مواجهة الجذور الحقيقية لهذا الوباء. أليست هذه الحادثة هي ذروة جبل الجليد الذي حذر منه الجميع لسنوات؟ أليست التعبير الأكثر وحشية عن خطاب الكراهية الذي تمارسيه أحزاب اليمين والمتطرفون، وتتغذى منه مؤسسات الدولة تحت ذريعة “العلمانية” و”محاربة التطرف”؟

الكاميرات صورت رجلاً من “أصول أوروبية” بلباس أسود وحقيبة بيضاء، يلقي برأس الخنزير كقاذف قنابل يفتخر بعمله. والعبارات المكتوبة باللون الأزرق، مثل “ماكرون”، ليست سوى محاولةٍ سخيفة لخلط الأوراق وتحويل الجريمة البشعة إلى مجرد لعبة سياسية رخيصة. لكن الدم لا يُمحى بالشعارات، والجريمة لا تُغسل بالتبريرات. الشاهد الصامت – عدم وجود دماء في места الجريمة – يكشف أن هذه الرؤوس جاءت من مجازر، مما يعني أن الجناة خططوا بعناية، واشتروا، ونقلوا، ونفذوا بهدوء القتلة المحترفين. هذه ليست شذوذاً عابراً، بل هي عملية كراهية مُنظمة.

وفي الوقت الذي يدين فيه مسجد باريس الكبير هذه “المرحلة الحزينة الجديدة في تصاعد الكراهية ضد المسلمين”، تُطلق الأرقام الرسمية صفارة الإنذار: 1037 حادثة إسلاموفوبيا في 2024 بزيادة 25% عن العام الماضي. الرقم ليس إحصاءً جامداً، بل هو ندوب على أجساد المسلمين وإهانة لكرامة دولة تزعم قيادة حقوق الإنسان.

الغريب، المُريب، هو ذلك الصمت شبه العالمي. لو وضعت رؤوس حيوانات أخرى أمام معابد دينية أخرى، لكانت الدنيا قامت ولم تقعد. لكن لأن الضحايا مسلمون، فإن الجريمة تُختزل في “حادثة معزولة” أو “استفزاز فردي”. هذه الازدواجية الأخلاقية هي الوقود الذي يغذي الجناة ويشجعهم على التمادي.

ما حدث في باريس ليس شأناً محلياً فرنسياً، بل هو جريمة ضد الإنسانية جمعاء. إنه اختبار حقيقي للضمير العالمي، وفحصٌ لمصداقية القيم الغربية التي تتغنى بها النخب السياسية. التنديد لا يكفي. التحقيقات يجب ألا تُغرق في دهاليز البيروقراطية. على فرنسا أن تعترف بأن سرطان الإسلاموفوبيا قد انتشر في جسدها، وأن توقف استعراض قيمها وتبدأ في علاج مرضها. فالشوارع التي أنارت العالم يوماً بأنوار التنوير، يخيم عليها اليوم ظل رؤوس الخنازير وأصابع الحقد. والعالم يشاهد، ويتساءل: إلى أي عمق ستهوي باريس؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!