
المصطفى الجوي – موطني نيوز
كان الفصل الدراسي يوماً رحابةً للعقل، ومساحةً للاكتشاف، وحقاً مجانياً يلمع في عيون الصغار. كان التعليم المغربي في زمانه مضماراً للمتعة والفهم، قبل أن تبدأ المسيرة الطويلة من الانزياح البطيء، الانزياح الذي حوَّل المدرسة من معهدٍ لتكوين الإنسان إلى سوقٍ لتجارة الآمال.
لم تكن الدروس الخصوصية سوى الباب الخلفي الذي دخل منه منطق السوق إلى الفصل الدراسي. بدأت هامشية، ثم تحولت إلى ظاهرة، ثم أصبحت نظاماً موازياً يلتهم جهد الأسرة ووقت التلميذ ومال الأبوين. لم تعد الأسرة تدفع من أجل المعرفة، بل من أجل “النقطة”. ولم يعد الأستاذ يعلِّم من أجل بناء العقول، بل أصبح “مزود خدمة” في سوق شديد القسوة.
وهكذا، تحوَّل التعليم من عملية تربوية شاملة إلى سلعةٍ تُشترى وتباع. لقد تم تشييء التعليم – كما يسميها علماء الاجتماع التربوي – أي تحويله من عملية إنسانية نبيلة إلى مجرد أداةٍ لاجتياز الامتحان. لقد فقدت العملية التعليمية روحها، ولم تعد تهدف إلى تنشئة إنسانٍ مفكرٍ، ناقد، مبدع، بل صارت تقتصر على إنتاج آلاتٍ متخصصة في حل نماذج الأسئلة وتوقع اختيارات المصححين.
الطالب لم يعد طالباً، بل أصبح زبوناً. والمعرفة لم تعد غاية، بل وسيلة مؤقتة للعبور. والنجاح لم يعد يقاس بقدرة العقل على التفكير، بل بعدد الدرجات التي يحصدها من وراء الامتحان. لقد أصبح الهدف هو الشهادة، لا المعرفة؛ العلامة، لا الفهم؛ التقييم، لا التعلم.
والخطر كل الخطر ليس في نقص الموارد أو ضعف البنية التحتية، بل في فقدان المعنى. عندما تفقد العملية التعليمية جوهرها، فإنها تتحول إلى طقسٍ أجوف، إلى مجرد مرحلةٍ شكلية يجب قطعها بأقل التكاليف وأسرع الطرق. والأمثلة على ذلك أصبحت ماثلة في كل بيت، طلاب يحفظون دون أن يفهموا، ينجحون دون أن يتعلموا، يتخرجون وعقولهم خاوية من أدوات التفكير والنقد.
إنها مأساة حقيقية أن تفقد المدرسة معناها، وأن يصبح التعليم مجرد وسيلة للعبور، لا رحلة للإنسان. فبدون عودة الروح إلى الفصول الدراسية، وبدون استعادة المتعة في التعلم، سنستمر في إنتاج أجيالٍ تحمل شهادات ولكنها تفتقر إلى أبسط أدوات التفكير. والسؤال الذي يظل معلقاً، إلى متى سنسمح لهذا التشييء أن يأكل مستقبل أبنائنا؟
فالجواب واضح ولا غبار عليه، فإذا أردت أن تهدم حضارة. فما عليك سوى هدم الأسرة، هدم التعليم وإسقاط القدوة. ولكي تهدم الأسرة، عليك بتغييب دور الأم بجعلها تخجل من مهمتها كربة بيت.
ولكي تهدم التعليم، عليك بالمعلم لا تجعل له أهمية في المجتمع بالتقليل من مكانته واغراقه في الديون حتى يحتقروه تلامذته.
وكي تسقط القدوة عليك بضرب العلماء و احتقار المفكرين، بل إطعن فيهم وقلل من شأنهم بتحريض التافهين على وسائل التواصل الإجتماعي والاعلام ليشككوا فيهم حتى لايسمع رأيهم و لا يقتدى بهم أحد. فبإختفاء الفاعلين الثلاثة من سيربي الأجيال على القيم والأخلاق؟!