
الحسين بنلعايل – موطني نيوز
منذ سنوات، تعيش الجالية المغربية في بلجيكا حالة من التهميش غير المبرر، رغم الدور المحوري الذي تلعبه في النسيج الاجتماعي والاقتصادي البلجيكي، ورغم الملايين التي تُصرف سنويًا من طرف الدولة المغربية في إطار ما يُفترض أن يكون دعمًا لهذه الجالية عبر السفارات والمؤسسات الرسمية.
غياب التمثيلية الحقيقية
الواقع يُظهر فجوة واسعة بين ما يُقال وما يُنفذ. السفارة المغربية ببلجيكا غارقة في البروتوكولات الباردة ولا تلامس مشاكل الجالية الحقيقية، أما مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج، التي كان يُفترض بها أن تحافظ على الهوية الثقافية والدينية للمغاربة، فقد فقدت بوصلتها وتحولت إلى مؤسسة تفرّق ولا تجمع.
الشأن الديني في مهب الريح
الشأن الديني يعيش بدوره فوضى لا تُطاق. فبين مساجد جمعت الملايين من التبرعات دون تقديم أي تقرير مالي شفاف، ومراكز دينية لا تقدم شيئًا ملموسًا، تضيع حقوق المسلمين. وبلغ الأمر أن بعض أموات الجالية يُغسلون في أماكن غير لائقة تفتقر لأبسط شروط الكرامة، وكأنهم سيارات تُغسل بخراطيم المياه. هذا عار لا يُحتمل في دولة أوروبية يُفترض أن تحترم الإنسان حيًّا وميتًا.
حرمان أبناء الجالية من تجهيز موتاهم بكرامة
من بين أعمق مظاهر التهميش التي تعاني منها الجالية المغربية في بلجيكا، يبرز الحرمان الصادم من وجود مراكز كافية ومتخصصة لتجهيز أموات المسلمين وفقًا للضوابط الشرعية. فرغم عدد المساجد الكبير في بعض المدن، إلا أن العديد منها لا توفر مرافق مخصصة لتغسيل الموتى وتكفينهم بشكل لائق، تاركةً العائلات المسلمة تتخبط في البحث عن حلول وسط ظروف نفسية صعبة.
وما يثير الاستغراب أن بعض المساجد الكبيرة التي تجمع ملايين التبرعات سنويًا لا تخصص قاعة واحدة لتجهيز الموتى، ولا تفكر في إنشاء مراكز دفن أو تجهيز إسلامية محترفة، في حين أن هذا من أولويات العمل الديني والاجتماعي للجالية.
إن هذا الإهمال يطرح تساؤلات كثيرة حول أولويات التسيير في بعض المؤسسات الإسلامية، ويدفعنا للمطالبة بمراجعة شاملة لآليات صرف التبرعات، وضرورة ربطها مباشرة بخدمة حاجيات الجالية الأساسية، وعلى رأسها الموتى، الذين يُفترض أن يُكرّموا لا أن يُهانوا.
حقوق الأجانب في المغرب…وحرمان المغاربة في أوروبا؟
من المفارقات الصادمة أن نرى في المغرب ما يزيد عن أربعين ألف مواطن بلجيكي مقيم يتمتع بجميع الحقوق الأساسية والثقافية والدينية، حيث يتوفر لهم كل شيء:
– مدارس خاصة ناطقة بالفرنسية
– كنائس مرخّصة تمارس فيها شعائرهم بحرية
– مسالخ رسمية لذبح الخنازير في مدن كثيرة
– خدمات إدارية مرنة وسريعة
أما المواطنون اليهود، فلهم ما هو أكثر من ذلك:
– محكمة عبرية خاصة
– مراكز رعاية للمسنين اليهود
– محلات مخصصة للطقوس والصلوات
– دعم حكومي وجمعوي دائم
فإذا كان المغرب بلد التعددية ويحمي حقوق جميع المقيمين فيه، فلماذا لا تحظى الجالية المغربية في بلجيكا بنفس الاحترام؟ لماذا يُترك أبناء الجالية في مواجهة منع الحجاب، ومنع الذبيحة، وصعوبات دفن الأموات، بينما ممثلو السفارة والقنصليات منغمسون في الأعمال والتجارة وتقاسم المناصب؟
حتى في بعض المساجد، تحول الخطاب من ديني إلى مادي بامتياز، وتحوّلت المسؤوليات إلى مناصب تُدر الملايين، تُصرف على سيارات فاخرة وامتيازات، بدل أن تُستثمر في مدارس إسلامية أو مراكز اجتماعية للجالية.
نداء للمراجعة الشاملة
جمعية ضحايا الظلم في أوروبا، ومعها أصوات حرة من الجالية، يرفعون أصواتهم عاليًا ليقولوا : كفى استهتارًا بكرامة الجالية المغربية والمسلمة، كفى عبثًا بأموال الدعم التي تنتهي في جيوب البعض أو تعود إلى المغرب لشراء عقارات خاصة.
نُطالب بمراجعة شاملة لكيفية تسيير الشأن الديني والمؤسساتي للجالية، ونُشدد على ضرورة تعيين أشخاص أكفاء، نزهاء، يضعون مصلحة الجالية فوق مصالحهم الشخصية، ويكونون همزة وصل حقيقية بين الوطن وأبنائه في المهجر.
الجالية المغربية لا تطلب المستحيل، فقط تريد من يمثلها بصدق، ومن يدافع عن أبنائها وبناتها، ومن لا يبيع همومها بثمن بخس في مزادات السياسة والمصالح. فبلجيكا ليست بلدًا صغيرًا، وهي عاصمة الاتحاد الأوروبي.
قال الله تعالى في سورة الأحزاب (آية 72):
“إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا ۖ وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا”