
عبد الكبير المخلوق – موطني نيوز
تواجه إيطاليا معضلة هيكلية في قضية الهجرة؛ فبينما تعلن عن فتح أبواب عقود العمل لاستقدام مهاجرين جدد بحلول عام 2026، تستمر في التعامل مع تدفق يومي كبير للمهاجرين غير النظاميين على سواحلها. هذا الوضع المتناقض يطرح تساؤلاً جوهرياً حول جدوى استجلاب قوى عاملة جديدة بينما يوجد في البلاد آلاف المهاجرين غير القانونيين الذين يمكن أن يكونوا جزءاً من الحل لمشاكل الاقتصاد الإيطالي، خاصة في القطاعات الحيوية التي يعملون بها بالفعل مثل الزراعة والبناء والرعنة المنزلية.
إن الإصرار على نهج يعتمد على استقدام مهاجرين جدد، مع تجاهل الجالية غير الشرعية القائمة، يشبه بناء منزل جديد بينما الأساسيات القديمة قادرة على الترميم والتطوير. إن تسوية أوضاع هؤلاء المهاجرين ليست مجرد خطوة إنسانية فحسب، بل هي استثمار اقتصادي واجتماعي ذو عوائد متعددة.
أولى هذه العوائد هي ضمان حقوق العمل والحماية الاجتماعية لهذه الشريحة، التي غالباً ما تعيش على هامش المجتمع وتعمل في ظروف صعبة دون أي ضمانات. بتسوية أوضاعها، تتحول من عبء محتمل إلى أصول منتجة تتمتع بالحقوق وتخضع للواجبات، بما في ذلك المساهمة في النظام الضريبي والضمان الاجتماعي، مما يعود بالنفع على الخزينة العامة.
ثانيًا، يمثل الدمج القانوني للمهاجرين غير النظاميين دفعة قوية للاقتصاد الوطني. فبدلاً من العمل في الاقتصاد غير الرسمي، سينخرطون بشكل كامل في السلسلة الإنتاجية الرسمية، مما يزيد من الإيرادات الضريبية ويحفز الاستهلاك والنمو. إنها عملية تحويل لطاقة كامنة وغير مستغلة إلى قوة دافعة للناتج المحلي الإجمالي.
على الصعيد الاجتماعي والأمني، فإن تقليل عدد المهاجرين غير النظاميين من خلال تسوية أوضاعهم يساهم بشكل مباشر في تعزيز الاستقرار المجتمعي. فهو يحد من الفضاء الذي تعمل فيه شبكات التهريب واستغلال البشر، ويقلل من التوترات المحتملة بين المجتمع المحلي والمهاجرين التي تنشأ غالباً بسبب وضعيتهم الهشة غير القانونية.
لتحقيق هذه الرؤية، يتطلب الأمر إرادة سياسية حقيقية تترجم إلى إجراءات ملموسة. يجب على الحكومة الإيطالية تصميم برنامج تسوية واضح ومبسط، يتجنب البيروقراطية المعقدة التي أحبطت مبادرات سابقة. التعاون مع المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني، الذي يمتلك الخبرة والتواجد الميداني، أمر حيوي لتسهيل العملية وضمان وصول المعلومات والدعم إلى جميع المعنيين. بالإضافة إلى ذلك، يجب توفير الدعم القانوني والإداري للمهاجرين لمساعدتهم على إكمال متطلبات الحصول على تصاريح العمل والإقامة، بل وتمهيد طريق الاندماج في المجتمع عبر برامج لغوية وثقافية.
الأهم من everything، هو خلق حملة توعية واسعة تشرح للمواطن الإيطالي أن تسوية أوضاع المهاجرين غير الشرعيين ليست “مكافأة” على دخول غير قانوني، بل هي استراتيجية ذكية لتعزيز الاقتصاد، وحماية سوق العمل، وبناء مجتمع أكثر أمناً وتماسكاً. إنها نظرة تتجاوز رد الفعل العاطفي إلى الفعل العقلاني الذي يخدم المصلحة الوطنية.
إن التحدي الذي تواجهه إيطاليا هو تحويل التهديد إلى فرصة. الفرصة ليست في انتظار مهاجرين جدد في عام 2026، بل هي موجودة هنا والآن بيننا. إن الاستفادة من الرصيد البشري الموجود بالفعل على الأرض الإيطالية، من خلال تسوية أوضاعه، هو اختبار حقيقي لحكمة صناع القرار وجدوى سياسات الهجرة التي تضع مصلحة البلد والمواطن في مقدمة أولوياتها.