بلجيكا : بروكسل تحت النار..48 ساعة من الذعر وصراعات المافيا تفتح جبهة جديدة في أندرلخت

صراع المافيات في بروكسيل

الحسين بنلعايل – موطني نيوز 

تشهد شوارع العاصمة البلجيكية بروكسل تحولاً مقلقاً إلى ساحة حرب مفتوحة، حيث اجتاحت موجة غير مسبوقة من العنف المسلح أحياءها، توجت بحادثة إطلاق نار مروعة في الساعات الأولى من الصباح في منطقة بيتروبوس بأندرلخت، أسفرت عن مقتل شخص عند مدخل مبنى سكني. التحقيقات الأولية تشير بأصابع الاتهام إلى صراع دموي تشنه مافيا المخدرات للسيطرة على سوق الممنوعات في العاصمة، مما يدفع المدينة إلى حافة الهاوية.

في مشهد أصبح مألوفا و مفزعاً، اهتزت نوافذ المباني في بيتروبوس على وقع إطلاق نار كثيف الساعة الرابعة صباحاً، لينهض السكان على فزع أصوات الرصاص وصفارات سيارات الطوارئ التي هرعت إلى المكان في محاولة يائسة لإنعاش الضحية، تبين لاحقاً أنها باءت بالفشل. لكن ما بقي هو صمت آخر، أكثر إثارة للرعب: صمت السكان التام. لقد سقط الحي بكامله تحت سيطرة الخوف، حيث يخشى الجميع الإدلاء بأي تصريح أو حتى الاقتراب من النوافذ، خوفاً من انتقام عصابات لا تتردد في استخدام أسلحة حربية لتصفية حساباتها، محولة الأحياء السكنية إلى ما يشبه “مناطق محظورة”.

هذه الحلقة ليست سوى فصل جديد من فصول عنف ممتد. فحي بيتروبوس، المعروف منذ فترة طويلة كمركز رئيسي لتجارة المخدرات في بروكسل، شهد فقط هدوءاً مؤقتاً بعد عملية أمنية واسعة في يونيو الماضي أسفرت عن اعتقال 19 شخصاً وتفكيك منظمة إجرامية دولية متورطة في الاتجار بالكوكايين. لكن هذا الهدوء لم يعمر طويلاً، لتعاود العصابات ظهورها بشكل أكثر عنفاً وتحدياً. الشرطة البلجيكية تحقق حالياً في احتمال ارتباط عمليات إطلاق النار هذه، بما في ذلك الهجوم ببندقية كلاشينكوف على محطة مترو كليمنصو في وقت سابق هذا الأسبوع، بحرب انتقامية بين العصب المتنافسة. وعلى الرغم من عمليات البحث في حي مولينبيك التي قادت إلى ضبط أسلحة وملابس مشتبه بها، فإن عدم القدرة على القبض على أي متورط حتى الآن يثير تساؤلات جادة حول مدى فاعلية الآلة الأمنية في كبح جماح هذه الجريمة المنظمة.

وراء هذه الصورة الأمنية المأساوية، تكمن أزمة إنسانية واجتماعية عميقة الجذور. فسكان بيتروبوس لا يعانون فقط من رصاص العصابات، بل أيضاً من وطأة الفقر والانحلال والعيش في مساكن اجتماعية ضيقة وسط بيئة محفوفة بالمخاطر. الخطير في الأمر هو تورط مراهقين لا تتجاوز أعمارهم 15 عاماً في دوامة تجارة المخدرات، مما يضع السياسيين المحليين أمام تحدٍ هائل في محاولاتهم لإنقاذ الشباب وإبعادهم عن براثن الجريمة. حتى الأطباء المحليون أصبحوا جزءاً من هذه المنظومة الخائفة، حيث يرفض بعضهم استقبال مرضى جدد من المنطقة، خوفاً على سلامتهم الشخصية.

التحدي الأكبر الذي يواجه السلطات الآن يتجاوز مجرد مطاردة مجرمين، فالعصابات لا تزال تدير عملياتها وتحكم المنطقة من داخل السجون البلجيكية ذاتها، مما يجعل المواجهة أكثر تعقيداً واستعصاءً. الوضع في بروكسل، وتحديداً في بيتروبوس، لم يعد يحتمل الانتظار. فهو يتطلب تدخلاً عاجلاً وشاملاً، ليس أمنياً فحسب، بل اقتصادياً واجتماعياً، لوقف نزيف العنف الذي ينهش استقرار الأحياء السكنية، والتصدي لتنامي نفوذ مافيا المخدرات قبل أن تتحول العاصمة الأوروبية إلى مدينة لا يحكمها سوى قانون الرصاص.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!