
عبد المغيث الجوي – موطني نيوز
تواجه شركة ميتا تحديات عميقة في مشروعها الطموح لتطوير ذكاء اصطناعي فائق (Artificial Superintelligence)، حيث تشهد وحدة Meta Superintelligence Labs (MSL) تصدعاً ملحوظاً على مستوى الكوادر البحثية رغم المحاولات المكثفة لاستقطاب الكفاءات عبر عروض مالية غير مسبوقة. فقد شهدت الوحدة موجة استقالات متلاحقة في صفوف باحثين مرموقين، كان أبرزهم شنغجيا تشاو، الذي عُين حديثاً كبيراً لعلماء الذكاء الاصطناعي في ميتا، والمنتقل من OpenAI بعد مشاركته في تطوير ChatGPT، حيث قرر العودة إلى منصبه السابق بعد أيام فقط من تعيينه.
لم تقتصر هذه الظاهرة على تشاو فقط، بل امتدت لباحثين آخرين من خلفيات مرموقة، مثل عالم التعلم الآلي إيثان نايت، والباحث السابق في OpenAI آفي فيرما، وعالم الأبحاث ريشاب أغاروال، الذي انتقل من DeepMind بصفة تقدر بمليون دولار سنوياً. كما شملت الخسائر قيادات مخضرمة في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل تشايا نايك ولوريدانا كريسان، واللتين أمضيتا قرابة العقد في الشركة.
تشير التحليلات إلى أن أسباب هذه الاستقالات لا تعود فقط إلى العوامل المالية، بل تتعلق بعوامل هيكلية وتنظيمية، منها عمليات إعادة الهيكلة المتكررة، وتقسيم فرق الذكاء الاصطناعي إلى أربع وحدات منفصلة، إضافة إلى تغييرات في الأولويات وزيادة الرقابة الإدارية. كما يبرز عامل آخر يتعلق برغبة الباحثين في التأثير على مسار تطور الذكاء الاصطناعي العام (AGI) وضمان إدخاله إلى العالم بطريقة آمنة، وهو ما أكده ديميس هاسابيس، المؤسس المشارك لـ DeepMind، في تصريحات سابقة.
من الواضح أن هذه التطورات تعكس إشكالية أعمق تتعلق بفجوة القيمة والرؤية بين إدارة ميتا وبين تطلعات الباحثين الرائدين في هذا المجال. فبينما خصصت ميتا استثمارات ضخمة تقدر بمئات الملايين من الدولارات، ووصلت في بعض العروض إلى مليار دولار لاستقطاب كفاءات من منافسيها مثل OpenAI وDeepMind وآبل، يبدو أن الجانب المعنوي والاستقلالية البحثية لا يقلان أهمية عن الجانب المادي.
في هذا السياق، تبرز OpenAI كأكبر مستفيد من هذه التحركات، حيث استقطبت عدداً من الكفاءات المغادرة لميتا، بما في ذلك المديرة التنفيذية السابقة تشايا نايك، التي انتقلت للعمل على مبادرات خاصة داخل OpenAI. وتؤكد تصريحات منتسبي OpenAI أن “الرسالة أهم من المكافآت المالية”، وهو ما يعكس أولويات مختلفة للباحثين في هذا القطاع عالي التنافسية.
يبقى السؤال مطروحاً حول قدرة ميتا على تثبيت استراتيجيتها في مجال الذكاء الاصطناعي الفائق، خاصة مع استمرار فقدان الكفاءات رغم التعيينات المرتفعة المستوى، مثل الرئيس السابق لشركة Scale AI ألكسندر وانغ، والرئيس التنفيذي السابق لمنصة GitHub نات فريدمان. التحدي الأكبر الذي يواجه الشركة الآن ليس مادياً أو تقنياً فحسب، بل ثقافياً وتنظيمياً في المقام الأول، حيث يتطلب بناء نظام بحثي مستقر ومبتكر أكثر من مجرد استثمارات مالية ضخمة.