المصطفى الجوي – موطني نيوز
إقليم بنسليمان، الذي تحوّل اسمه إلى مرادف للفساد والمفسدين، يعيش على وقع فضيحة من العيار الثقيل تحوّل المستثمرين، وخاصة أصحاب المقالع، إلى ضحايا نظام ابتزاز ممنهج. فكل من هبّ ودبّ صار يتجرأ على مطالبته بتمويل حفلة هنا، أو مهرجان هناك، أو “موسم” وهمي لا يزيد عن كونه ستاراً لنهب أموال القطاع الخاص. وإذا تجرأ صاحب المقلع ورفض، أو حتى تردد، فسيجد نفسه فجأة أمام “غضبة شعبية” مزعومة، تُحرّكها أيادٍ خفية تحت شعارات برّاقة البيئة، حقوق الإنسان، تلوث المياه، والأضرار الصحية! وكأن هؤلاء المحتجين المفاجئين لم يعلموا بوجود المقلع إلا بعد سنوات من عمله المرخّص قانوناً، وبعضهم كان أول المطالبين بإنشائه حين كانوا ينتظرون حفنة دراهم أو وعوداً بالشغل.
اللافت في هذه المسرحية الهزيلة أن “الغضب الشعبي” يظهر فجأة ويختفي فجأة، كأنه مُؤجّر بالساعة. فالمفرقعات والغبار والشاحنات موجودة كل يوم، لكن الاحتجاجات لا تظهر إلا حين يفشل الابتزاز! أليس هذا دليلاً دامغاً على أن الأمر لا يتعلق بالبيئة ولا بحقوق السكان، بل بجشع عصابات تختفي خلف شعارات زائفة؟! من هم هؤلاء “الحرّاقون المحترفون” الذين يتحركون كالجراد كلما احتاجوا إلى مال؟ ولماذا تصمت الجهات الرقابية عن ملاحقة من يتاجرون بمشاعر الناس ويحوّلون القانون إلى أداة للترهيب والابتزاز؟
فالمملكة المغربية مقبلة على مشاريع كبرى تحتاج إلى مواد البناء، والمقالع المرخصة هي عصب هذه المنظومة. لكن كيف يمكن للمستثمر أن يعمل وهو تحت رحمة عصابات تختلق الأزمات وتُحرّك “الغضب” حسب الحاجة؟ أين وزارة الداخلية من حماية أولئك الذين يدفعون الضرائب ويوفّرون فرص العمل؟ أين النيابة العامة من تحقيقات جادة تكشف زيف المزاعم وتفكّك شبكات الابتزاز؟ وأين الدرك الملكي من حماية القانون بدل ترك الفاسدين يتحكّمون بمصائر الاقتصاد؟
يكفي تهرباً من المسؤولية. فالمستثمرون ليسوا أبقاراً حلوباً يُحلبون كلما احتاج أحدهم إلى تمويل مشبوه. نحن أمام اختبار حقيقي لحكم القانون، إما أن تتحرك الدولة لقطع دابر هذه المافيات، أو أن تتحوّل بنسليمان إلى نموذج للفوضى التي تبتزّ التنمية وتقتل الثقة. فهل من مُجيب؟!