
المصطفى الجوي – موطني نيوز
في قلب الشرق الأوسط، حيث تتشابك خيوط التاريخ والدين والثقافة، تبرز طائفة الموحدين الدروز، أو كما يُعرفون اختصارًا بـ “الدروز”، كنسيج فريد يمتلك هوية دينية وعرقية عربية متجذرة. هذه الطائفة، التي تُعرف نفسها بـ “بنو معروف”، تعتنق مذهب التوحيد، وهو مذهب ذو تعاليم باطنية عميقة، وتعود أصوله إلى الإسماعيلية، أحد فروع الإسلام الشيعي، مما يمنحها بعدًا تاريخيًا ودينيًا غنيًا ومعقدًا في آن واحد. يتمركز الدروز بشكل رئيسي في سوريا ولبنان وفلسطين، حيث شكلوا مجتمعات متماسكة حافظت على تقاليدها وعقائدها عبر القرون.
يُقدس الدروز النبي شعيب، ويعتبرونه مؤسسهم الروحي، وهو شخصية محورية في إيمانهم. جوهر عقيدتهم يتمثل في الإيمان بوحدانية الله، وأنه واحد لا شريك له، وهو ما يتجلى في تسميتهم لأنفسهم بـ “الموحدون”. من أبرز معتقداتهم هو تناسخ الأرواح، حيث يؤمنون بانتقال الروح من جسد لآخر عند الموت، وهي عقيدة تضفي على نظرتهم للحياة والموت خصوصية مميزة. كما يتبعون مبادئ باطنية، وتُعتبر بعض جوانب دينهم سرية، مما يعكس طبيعة مذهبهم الذي يركز على المعاني الخفية والعميقة.
يُعد كتاب “رسائل الحكمة” النص الأساسي لإيمانهم، وهو مرجعهم الروحي الذي يضم تعاليمهم ومبادئهم. وللحفاظ على وجودهم وحماية عقيدتهم، يستخدم الدروز مبدأ التقية في بعض الحالات لتجنب الاضطهاد أو الأذى، وهو ما يعكس مرونتهم في التعامل مع الظروف المحيطة بهم. ومن الجوانب التي تُميزهم عن بعض الشعائر الإسلامية التقليدية هو عدم تقيدهم ببعضها مثل الصيام والحج، مما يؤكد على استقلاليتهم الدينية.
تاريخ الدروز حافل بشخصيات أثرت في عقيدتهم وتطورها. فإلى جانب النبي شعيب، الذي يُعتبر النبي الرئيسي والرسول في دينهم، تبرز شخصيات مثل حمزة بن علي بن أحمد، الذي كان أحد أبرز الدعاة الذين أسهموا في تطوير العقيدة الدرزية. كما يُقدس بهاء الدين كشخصية مقدسة في مذهبهم، ويُعتبر الحاكم بأمر الله، الخليفة الفاطمي، تجسيدًا للإله أو مظهره في عقيدتهم، مما يربطهم بتاريخ الدولة الفاطمية.
تتوزع أماكن تواجد الدروز الرئيسية في عدة دول بالمنطقة. في سوريا، يتركزون بشكل كبير في محافظة السويداء، المعروفة بـ “جبل الدروز”، بالإضافة إلى تواجدهم في مناطق أخرى مثل دمشق وحوران. وفي لبنان، يتواجدون بكثافة في المناطق الجبلية مثل الشوف وعاليه، حيث يشكلون جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والسياسي. أما في إسرائيل، فيتواجدون في الجليل والجولان، ويُعتبرون مكونًا هامًا من مكونات المجتمع هناك.
على الرغم من أن جذورهم تعود إلى الإسماعيلية، إلا أن الدروز يعتبرون أنفسهم أصحاب دين مستقل عن الإسلام، ويؤمنون ببعض العناصر المشتركة مع الديانات الأخرى، مما يعكس انفتاحهم على التفاعل مع المحيط الديني والثقافي. بشكل عام، يُشكل الدروز مجتمعًا ذو هوية دينية وثقافية فريدة، يتميز بتعاليم باطنية وتقاليد خاصة به، مما يجعله موضوعًا يستحق التأمل والبحث في غنى التنوع البشري والديني.