
المصطفى الجوي – موطني نيوز
في قلب الفوضى الإدارية واللامبالاة الصارخة، تتكشف فصول جديدة من مسلسل العبث الذي تعيشه وزارة التجهيز، وتحديداً مصلحة “المياه” في إقليم خريبكة. إنها ليست مجرد حوادث عابرة، بل هي سلسلة من الكوارث التي تضرب عرض الحائط كل مبادئ الحكامة الرشيدة والمسؤولية. فبينما يتخبط المواطن في دوامة البحث عن أبسط مقومات العيش الكريم، يواصل بعض المسؤولين استنزاف المال العام والاستهتار بأرواح البشر، وكأنهم فوق كل مساءلة.

لقد بلغ الاستهتار ذروته في الساعات الأولى من صباح يوم السبت الموافق 26 يوليو 2025، وتحديداً حوالي الساعة الثانية فجراً، حيث شهد دوار أولاد شميشة في سيدي بطاش، على طريق بئر النصر بإقليم بنسليمان، حادثة سير مأساوية وغريبة. بطل هذه الحادثة، وكالعادة، هو رئيس مصلحة “المياه” في خريبكة، المدعو (ع.ب)، الذي بات اسمه مرادفاً لتعدد حوادث السير التي يتسبب فيها شخصياً. لكن هذه المرة، شاءت الأقدار أن تنقلب به السيارة، لتظل مجهولة المصير حتى الساعة الثامنة والنصف من صباح نفس اليوم، في مشهد يثير ألف علامة استفهام.

إن هذا الغياب المريع عن الأنظار لساعات طويلة، لا يكشف فقط عن إهمال جسيم، بل يضع وزارة التجهيز في قفص الاتهام. فكيف يعقل أن سيارات مصلحة بهذا الحجم، وعلى المستوى الوطني، لا تزود بأجهزة تعقب المواقع (GPS)؟ هل يعقل أن لا أحد يعلم وجهة هذه السيارات وأين تتنقل؟ هذا النقص الفادح في الرقابة ليس مجرد خلل إداري، بل هو تواطؤ صريح مع الفساد وإهدار ممنهج للمال العام. فإذا كان رئيس مصلحة “المياه” يعمل ويقطن في خريبكة، فما السر وراء تواجده بتراب إقليم بنسليمان في تلك الساعات المتأخرة من الليل؟ ولماذا يتخذ دائماً من طريق “الخطوات” في اتجاه مدينة تمارة وجهة مفضلة له؟ وهل يتوفر على تصريح للتنقل بسيارة المصلحة من مكان عمله بجهة بني ملال خنيفرة، مخترقاً بذلك جهتين جغرافيتين، وهما الدار البيضاء سطات، ليصل إلى جهة الرباط سلا القنيطرة؟

إن هذه التساؤلات ليست مجرد استفسارات عابرة، بل هي صرخة مدوية في وجه من يظنون أنهم فوق القانون. أليس هذا إهداراً فاضحاً للمال العام؟ ومن سيتكفل بإصلاح هذه السيارة التي لم تعد صالحة للاستعمال أصلاً؟ والأخطر من ذلك، من هو السند الخفي الذي يحمي هذا المسؤول الذي بات خراباً على وزارة التجهيز بسبب كثرة الحوادث التي يتسبب فيها؟ إن تاريخ مصلحة “المياه” في خريبكة مليء بحوادث السير، مما يؤكد أن المشكلة ليست فردية، بل هي منظومة فساد مستشرية تحتاج إلى اجتثاث من جذورها. إن الصمت على هذا العبث هو مشاركة فيه، وعلى الجهات المسؤولة أن تتحرك فوراً لوضع حد لهذا النزيف الذي يضرب في صميم مصداقية الإدارة العمومية.