
الحسين بنلعايل – موطني نيوز
في عالم يلهث خلف الأضواء الزائفة، يقف الحاج سعيد المداوشي، رئيس جمعية الرحمة الخيرية، كشجرة وارفة الظلال في صحراء القحط الإنساني. يوم 22 يوليوز 2025، كان الرجل، ببدلته البسيطة وحفنة من المتطوعين، يتسلق منحدرات الألس الكبير في تارودانت، يحمل بين يديه خريطة الأمل، وبقلبه إرثًا من الوصايا النبيلة: “لا تدخروا جهدًا في خدمة الإنسان، فالكرامة تبدأ من قطرة ماء”.
هذه ليست المرة الأولى التي يختار فيها الحاج سعيد أن يكون حيث لا يُرى أحد. فحفر الآبار في المناطق المنسية، سواء في القرى النائية بالمغرب أو في عمق القارة الإفريقية، أصبح سِفرًا مفتوحًا يُدرّس به معنى العطاء بلا شروط. في الألس الكبير، حيث لا تزال جراح الزلزال مفتوحة، كان حضوره كالمطر بعد قحط، يبحث عن موقع البئر الجديد بيد الخبير وقلب الأب.
ما يفعله هذا الرجل ليس مجرد “مشاريع خيرية”، بل هو إعادة كتابة لغة التضامن بعيدًا عن الضجيج الإعلامي. فجمعية الرحمة تحت قيادته ليست منظمة توزع المساعدات، بل هي رسالة حية تترجم كلمة “الرحمة” إلى طرقات ترابية تصل إلى بيوت العطشى، وتضحيات يومية تذوب فيها الأنانية أمام حق الإنسان في الحياة.
الحاج سعيد لا يحمل شهادات في الإعلام، ولا يلهث وراء التقارير الصحفية، لكن سيرته تُكتَب بالماء الذي يصل إلى أفواه الأطفال، وبالدمع الذي يجف في عيون أمهات كنّ يحملن القِرَب لساعات. هو يعرف أن “العمل الخيري” ليس مهنة، بل هو اختبار أخلاقي، وقد نجح فيه بامتياز.
في زمن صار فيه العمل الإنساني مجرد “هاشتاغ”، يذكرنا الحاج سعيد بأن البطولات الحقيقية تُصنع بين الجبال، وبين الأيادي المتشققة من أجل إسكات عطش الآخرين. فلئن كانت الألقاب تُمنح للكثيرين، فإن لقب “رجل الماء” سيبقى حكرًا على هذا الشيخ الذي جعل من الرحمة مهجة قلبه، ومن العطش نداءً لا يُرد.