
المصطفى الجوي – موطني نيوز
في قلب مدينة بنسليمان، حيث تُقاس العدالة بمكيالين، يقف بائعو الدجاج مطرقين كطيور مكسورة الجناحين. أصواتهم تُختزل إلى همسات غاضبة، وحقوقهم تُدفن تحت ركام البيروقراطية والوعود الميتة. هم ليسوا أرقاماً في سجلات الجماعة، ولا مجرد ظلال عابرة في شوارع السوق القديم، بل بشرٌ دفعوا الضرائب، وحملوا تراخيصهم كشهادات ميلاد قانونية، لكنهم اليوم يُحشرون خارج أسوار السوق الجديد، وكأنهم خطأٌ يجب محوه.
القصة لا تحتاج إلى تعقيد، سوق مركزي قديم يُهدم، وآخر جديد يُبنى، وتجارٌ يُنقلون إلى محلاتهم الجديدة كتعويض مؤقت عن سنوات من الانتظار. الجميع ذهبوا إلى مكانهم، إلا بائعي الدجاج. لماذا؟ لأن أحداً لم يُرد لهم أن يكونوا جزءاً من المعادلة. رغم أن أسماءهم وُثقت في دفاتر التحملات، ورغم أن تصميم السوق الجديد خُصصت له مساحاتهم، فإن يداً خفية تمحو وجودهم. هل هي إهمال متعمد؟ أم أن هناك من يعتبر أن رائحة الدجاج لا تليق بجمالية السوق “الجديد”؟
المأساة ليست في هدم السوق القديم، بل في هدم الكرامة أولاً. هؤلاء البائعون لم يطالبوا بامتيازات، بل بحقٍ مكفولٍ لهم كغيرهم. فمنذ متى أصبحت الحقوق تُمنح وفقاً للمزاج أو النفوذ؟ ومن يقف خلف هذا الإقصاء؟ الجماعة؟ أم السلطة؟ ام العامل الجديد؟ أم أن هناك من يرى في هؤلاء البسطاء عائقاً أمام مشاريع أخرى؟ الأسئلة تُطرح، والأجوبة تُختزل في صمتٍ رسميٍّ ثقيل.
الغريب أن المدينة الصغيرة الفاسدة تعرف كل أبنائها، لكنها تتجاهل بعضهم حين يصرخون. بائعون باعوا الدجاج لعقود، وصاروا جزءاً من ذاكرة بنسليمان، يُطردون اليوم كغرباء. هل يحتاجون إلى وقفة احتجاجية كي يُسمعوا؟ أم أن العدالة هنا لا تصل إلا إذا تحول السكوت إلى عاصفة؟
لن يُعيد السوق القديم، لكن ما زال بإمكانهم استعادة جزء من كرامتهم. فقط لو توقفت الأيدي عن كتابة القصص من دونهم.
وللاستماع إلى صوت الحقيقة واحتجاج المظلومين المرجو الضغط هنا.