
المصطفى الجوي – موطني نيوز
الفساد ليس مجرد سرقة أموال عامة أو استغلال مناصب، بل هو نظام متكامل له جنوده وأدواته، له حراسه المخلصون الذين لا ينامون إلا على وسائد من أكاذيبهم، ولا يستيقظون إلا لرشق الحقيقة بحجارة الخيانة. إنهم أولئك الذين حولوا مهنة الصحافة من رقابة على السلطة إلى كلاب حراسة لها، من كشف للمستور إلى تلميع للعفن.
لا عجب أن ترى صفحات ومواقع تخرج كالفطر السام كلما أطلت الحقيقة برأسها، تخرج من كهوفها المظلمة لتنفث سمومها في وجه كل من تجرأ وسأل، من أين؟ وكيف؟ ولماذا؟ هم لا يكتبون بالحبر، بل بالقذارة نفسها التي يذودون عنها، يتبارون في تشويه الحقائق وقلب الوقائع، يحولون الفضائح إلى “إنجازات”، واللصوص إلى “أبطال”، بينما يختزلون المناهضين للفساد في صورة “خونة” أو “مأجورين” أو “حاسدين”.
لكن الأكثر إثارة للاشمئزاز هو ذلك السرب من “البيادق” الذين يهرولون دون توقف، ينبحون دون وعي، يهاجمون بشراسة كل من يعكر صفو سادتهم. لا يسألون لماذا يهاجمون، بل فقط متى وكيف. إنهم كالذباب الذي يطن حول الجيفة، لا لشيء إلا لأن رائحة العفن هي هواءهم الوحيد.
ما مصلحة هؤلاء في أن يدافعوا عن لص أو فاسد؟ ما الذي يخسرونه لو سكتوا؟ الجواب بسيط، إنهم جزء من السلسلة الغذائية للفساد، يأكلون من فتات موائده، ويخشون أن يجف المنبع فيموتون جوعاً.
هم لا يخافون على الوطن، بل على موائدهم. لا يهمهم سقوط الدولة، بل سقوط حظوتهم مع من يسرقونها. لو انهارت قلعة الفساد، فماذا سيفعلون؟ من سيدفع ثمن أقلامهم المسمومة؟ من سيشتري صمتهم أو صياحهم؟ إنهم يعرفون أنهم بدون الفساد لا قيمة لهم، ولذلك يحاربون من أجل بقائه كما يحارب الجائع من أجل آخر لقمة.
أما المناهضون للفساد، فمعركتهم شاقة، لأنهم لا يواجهون لصوصاً فحسب، بل يواجهون آلة ضخمة من الأكاذيب والافتراءات، جيشاً من المرتزقة الذين باعوا ضمائرهم بثمن بخس. لكن التاريخ لا يذكر الحراس الذين وقفوا على أبواب الطغاة، بل يذكر أولئك الذين كسروا الأقفال. وحاربوا الفساد، مهما بلغت قوته، فمصيره إلى الزوال، لأن كل جيفة، مهما حاول الذباب حمايتها، ستتعفن في النهاية.