حين يُكرَّم طوطو ويُهان الخطيب..أزمة القيم في زمن اللامعقول

الحسين بنلعايل مدير موطني نيوز في أوروبا

الحسين بنلعايل – موطني نيوز 

في زمنٍ يُشبه حكاية “أليس في بلاد العجائب”، حيث ينقلب المنطق رأسًا على عقب، نجد أنفسنا أمام مشهدٍ مأساوي: “طوطو” يصول ويجول، يُلقى عليه المال إلقاءً، وتُفتح له القصور أبوابها، بينما خطيب الجمعة، حامل الرسالة، وموقد الفكر، يُدفع له راتبٌ هزيلٌ بالكاد يكفي لسد الرمق، ويُفرض عليه ما يقول وما لا يقول.

أي عالمٍ هذا الذي نعيش فيه؟ عالمٌ يُكافأ فيه من يصرخ بأعلى صوته بلا معنى، بينما من يتكلم بالحكمة يُزج به في زاوية الإهمال؟ عالمٌ يُنفق فيه على “الضحك على الذقون” بسخاء، بينما يُحتسب كل فلسٍ ينفق على العلم والأخلاق؟

لا عجب أن نرى الجماهير تهتف لمغنٍ يردد كلماتٍ فارغة، بينما تجد المساجد شبه خاوية إلا من قلةٍ ما زالت تبحث عن نورٍ في هذا الظلام. لا عجب أن يصبح “طوطو” قدوةً للصغار، بينما الخطيب مجرد صوتٍ خافتٍ في زحام الضجيج.

المشكلة ليست في الفن أو الفنانين، بل في نظام القيم الذي انقلب. المشكلة في مجتمعٍ يقدس الشكل على المضمون، والصورة على الجوهر، والضوضاء على الحكمة. المشكلة في أننا أصبحنا نعيش في سيركٍ كبير، حيث يُمنح المهرجون أعلى المناصب، بينما الحكماء يُدفنون في زوايا النسيان.

ولكن، من المسؤول عن هذا الانحدار؟ هل هو النظام الاقتصادي الذي يحوّل كل شيءٍ إلى سلعة، حتى القيم؟ أم هي وسائل الإعلام التي تبيع الوهم وتُضخّم التافه؟ أم نحن، الجمهور، الذي نستهلك هذا الكلأ الفاسد بشراهة، ثم نعجب حين تصبح أجيالنا بلا بوصلة؟

الأمر أشبه بجريمةٍ جماعية، نشارك فيها جميعاً بصمتنا أو بهتافنا. فحين ندفع المال لنستمع إلى هراءٍ مُغنّى، ونبخل بدرهمٍ على كتابٍ أو محاضرةٍ تنير العقل، فنحن نُصوت – عملياً – لصالح تفاهةٍ مُعلبة. وحين نسمح للصوت الأعلى أن يقودنا، ونهمس في زوايا المساجد كأننا نخجل من الحكمة، فنحن نُبرر هذا الانقلاب بأنفسنا.

فهل نستيقظ قبل فوات الأوان؟ أم أننا سنستمر في رقصتنا المجنونة، حتى نكتشف – متأخرين – أننا كرمنا الحمير وأهنا الخيول؟

الخطيب يعرف أن صمته رسالة، لكننا لا نقرأ إلا ما يُكتب بأضواء النيون. و”طوطو” يعرف أن زمنه مؤقت، لكنه يضحك كل الطريق إلى البنك. أما نحن، فمازلنا نناقش: أيهما أنفع للمجتمع.. كلمةٌ تهدي، أم أغنيةٌ تلهي؟

السؤال الأصعب هل ما زلنا نستحق مجتمعاً أفضل؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!