
المصطفى الجوي – موطني نيوز
يبدو أن إهدار المال العام في إقليم بنسليمان قد أصبح حقيقة لا مفر منها، بل أمرًا واقعًا لا يخفى على أحد من سكان هذا الإقليم المنهك. ففي ظل صمت مطبق ورقابة غائبة، تتوالى فصول العبث بالثروات العامة، وتتخذ أشكالًا ملتوية تارة، وفاضحة تارة أخرى، لتستنزف جيوب المواطنين وتثري جيوب المتنفذين. ومن بين أخطر هذه الأساليب الملتوية، ما بات يُعرف بـ “الدراسات”، تلك الخدعة القانونية التي تحولت إلى بوابة شرعية لارتكاب أفظع الاختلالات والتجاوزات، ونهب المال العام دون حسيب أو رقيب.
إن هذه “الدراسات” ليست سوى غطاءً شفافًا لصفقات مشبوهة، وطريقًا معبدًا لتبديد الملايين، تحت مسمى التخطيط والتطوير. ولكن الواقع المرير يكشف أن هذه الدراسات لا تؤدي إلا إلى تضخيم الفواتير، وتبرير الصرف العشوائي، وتمكين شبكات الفساد من الاستيلاء على مقدرات الإقليم. والنتيجة الحتمية هي مشاريع متعثرة، وميزانيات مستنزفة، وتنمية معطلة، بينما يستمر مسلسل الإفلات من العقاب في حماية المتورطين.
ولعل “منتزه لالة مريم”، أو كما يطلق عليه البعض بمرارة “جردت لالة مريم”، هو خير مثال صارخ على هذا العبث المستمر. هذه الحديقة، التي كان من المفترض أن تكون متنفسًا لأهالي بنسليمان، تحولت إلى رمز للفشل والفساد. لقد صُرفت عليها مئات الملايين من السنتيمات ان لم تكن الملايير، وأُطلقت في شأنها مجموعة من الصفقات الواحدة تلو الأخرى، ومع ذلك، لم يكتمل المشروع قط، ولم يُكتب له أن يرى النور. بل أصبح هذا المنتزه مجرد حفرة عميقة تبتلع الأموال العامة دون أن تترك أثرًا يذكر.

والأدهى من ذلك، أننا اليوم أمام صفقة جديدة، ربما هي الثالثة أو الرابعة من نوعها لم نعد نحصي بسبب الاخفاقات المتكررة، سيسبقها “سند الطلب تحت رقم 09/2025″، والذي يهم “إعداد الدراسات التقنية وتتبع إنجاز أشغال تهيئة منتزه للا مريم بمدينة بنسليمان”. فإلى متى ستبقى هذه الحديقة اللعينة تصرف عليها كل هذه الأموال الطائلة؟ وهل مدينة بنسليمان، التي تقع وسط غابة طبيعية خلابة، في حاجة ماسة إلى حديقة اصطناعية تبتلع ميزانيتها دون جدوى؟ وأين إختفت كل الدراسات السابقة؟ ولماذا فشل كل المقاولين الذين سبق لهم الاشتغال في هذه الحديقة، تاركين وراءهم مشروعًا مشوهًا؟ وأين اختفى السياج الحديدي الذي كان يحيط بها، والذي تم استبداله بما هو أقل قوة ومتانة، مما يثير تساؤلات حول مصير المواد الأصلية؟
إن هذه الأسئلة تظل معلقة، بلا إجابات شافية، بينما يستمر مسلسل استنزاف المال العام في إقليم بنسليمان. يبدو أن هذه المدينة، بل والإقليم بأكمله، قد كُتب عليه أن يبقى رهينة لجهات خفية تستنزف خيراته، وتقتات على المال العام دون وازع من ضمير أو خوف من عقاب. إنها فضيحة تتكشف فصولها يومًا بعد يوم، وتؤكد أن للموضوع بقية، وأن الصمت لم يعد خيارًا أمام هذا العبث الذي يضرب في صميم التنمية والعدالة الاجتماعية.