شغب الشباب في عاشوراء…انعكاس لسياسات فاشلة أم أزمة قيم؟

شغب سيدي موسى في سلا

المصطفى اخنيفس – موطني نيوز

على إثر الأحداث التي شهدتها مدينة سلا ليلة عاشوراء ، تحولت الاحتفالات المفترض أن تطبعها الطقوس والمظاهر التقليدية إلى حالة من الفوضى، بعدما أقدم عدد من الشباب الاعتداء على رجال الأمن والقوات المساعدة، مما خلف إصابات متفاوتة في صفوف العناصر الأمنية، واستدعى تدخلاً عاجلاً لإعادة الهدوء.

الواقعة لم تكن معزولة، بل تكررت مشاهد الشغب في مدن أخرى ، حيث استُخدمت المفرقعات بشكل عشوائي، وتم إضرام النار في العجلات المطاطية، إلى جانب تخريب بعض الممتلكات العامة، ما خلف استياءً عاماً لدى السكان، الذين فوجئوا بتحوّل بعض الأحياء إلى ساحة مواجهة ، تم خلالها توقيف العشرات من المشتبه في تورطهم بينهم عدد من القاصرين، فيما نُقل المصابون من رجال الأمن لتلقي الإسعافات الضرورية، وفق ما أكدته بعض المصادر .

هذه الوقائع ليست جديدة على المشهد العام بالمغرب، إذ تتكرر حوادث الشغب والعنف الجماعي في عدد من المناسبات، وأحياناً حتى في غياب أي سياق احتفالي، ما يطرح علامات استفهام حول الأسباب العميقة لهذا الانفلات ، ومن بين أبرز العوامل المحتملة التي تسهم في تفشي هذه السلوكات ، تنامي الشعور بالإقصاء والتهميش لدى فئات واسعة من الشباب، وتراجع أدوار المؤسسات التعليمية والأسرة ومؤسسات التنشئة الاجتماعية ، إلى جانب الحضور القوي لخطاب التفاهة والعنف على وسائل التواصل الاجتماعي، وضعف السياسات العمومية في مواكبة تطلعات الشباب وتوفير البدائل الثقافية والاقتصادية ، اضافة الى ذلك محدودية فضاءات الترفيه والتأطير، وانتشار البطالة، والاستهلاك المفرط للمخدرات،

كلها عوامل تؤدي إلى انسداد الأفق لدى جزء من هذه الفئة، ما يجعل بعضهم يتبنى سلوكات احتجاجية غير موجهة، تتخذ أحياناً شكل شغب جماعي، تُهدّد الأمن المجتمعي وتُعمّق فجوة الثقة بين الشباب والدولة ، ويصبح من السهل أن نلقي باللوم على هؤلاء القاصرين، لكن الأصعب والأجدر هو أن نفهم السياق الذي أنتج هذا السلوك ، فهؤلاء ليسوا مجرمين بطبعهم ، بل ضحايا لواقع اجتماعي واقتصادي هش، ولسياسات لم تنجح في احتضانهم أو منحهم الأمل.

فإعادة ضبط هذه العلاقة تتطلب رؤية شمولية تنطلق من مراجعة للسياسات العمومية، ترتكز على تحقيق العدالة المجالية وتوزيع الفرص بشكل منصف، والنهوض بجودة التعليم وتعزيز دور المدرسة كمؤسسة للتنشئة، وتوفير فضاءات للتأطير الثقافي والرياضي والفني، مع خلق فرص عمل حقيقية تضمن الكرامة والاستقلالية، إلى جانب إشراك الشباب في الحياة العامة وتعزيز مشاركتهم في اتخاذ القرار.

ما حدث في ليلة عاشوراء يُفترض أن يُنظر إليه كجرس إنذار ، لا مناسبة للوم أو العقاب فقط ، فهؤلاء القاصرون او الشباب هم أبناء هذا الوطن ، وطاقات مهدورة كان يمكن أن تتحول إلى قوة بناء لو وجدت الرعاية والاحتواء ، فقط حين نكف عن النظر إليهم كخطر، ونبدأ في رؤيتهم كضحايا لسياسات فاشلة، يمكن أن نضع أولى لبنات التغيير الحقيقي ، إن مسؤولية المجتمع، بكل مكوناته هي أن يصغي لهم، يفهمهم، ويمنحهم الأمل .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!