
المصطفى الجوي – موطني نيوز
لا يحتاج الأمر إلى كثير عناء لرصد الاختلال الذي ينخر الإدارة المحلية في جماعة سيدي بطاش، حيث تحول المرفق العمومي إلى ساحة لتصفية الحسابات السياسية تحت عباءة القانون. السيدة محجوبة بوعطية، الموظفة التي تشهد لها الملفات بالكفاءة والنزاهة، ليست سوى ضحية أخرى في مسرحية هزلية التي يُخرجها رئيس الجماعة، الذي لا يرى في وجودها سوى ذنبٍ غير مغفور: كونها زوجة لبينون وشقيقة لرئيس سابق للجماعة. فهل أصبحت الوظيفة العمومية ميراثاً عائلياً يُكافأ أو يُعاقب عليه؟ أم أن الأمر مجرد غباء سياسي مُفرط في وقاحته؟
اللافت هنا ليس غرور الرئيس المحلي في تعامله الغير مبرر مع الموظفة، بل الصمت المطبق للمسؤولين الأعلى درجة. من العامل إلى وزير الداخلية، الجميع يغضون الطرف عن انتهاك أبسط حقوق موظفة تدفع ثمن معارضة رجال حولها. الاقتطاعات غير القانونية من راتبها، التضييق اليومي، الإهانات المُمنهجة كلها تفاصيل يُفترض أنها تزعج ضمير أي إدارة تدّعي احترام القانون. لكن يبدو أن “الضمير” في المسؤولين المغاربة مفقود.
الأمر لا يتعلق بـ”محجوبة” وحدها، بل بآلية فاسدة تختزل الموظف في انتمائه العائلي أو السياسي. فإذا كان رئيس جماعة سيدي بطاش يعتقد أنه باضطهاده لامرأة يكسر شوكة خصومه، فهو إما جاهل بحقيقة أن التاريخ لا يرحم من يستخدم الوظيفة العامة سوطاً للانتقام، أو أنه واهم بأن الصمت الرسمي سيحميه من يوم تُفضح فيه حسابات القصاص الحقير.
ما بقي لمحجوبة بوعطية سوى القضاء الإداري، وهو الملاذ الأخير الذي يُفترض أن يكون أولويةً لأي دولة تحترم نفسها. لكن السؤال الأكثر إيلاماً: لماذا يجب على الضحايا أن يخوضوا معارك قضائية مُكلفة كي يحصلوا على حقوقٍ منصوص عليها في نصوص قانونية واضحة؟ أين دور الرقابة؟ أين دور “المجالس الاستشارية” التي تُنفق عليها الملايين بينما عينها عن ظلم الموظفين مُغمضة؟
القضية ليست شخصية، بل هي اختبار لمصداقية الخطاب الرسمي عن “حكامة جيدة” و”حماية الموظفين”. فإذا كان الانتقام السافر يُمارس بهذه البجاحة في ضوء النهار، فما الذي يحدث خلف الأبواب المغلقة؟ وكيف لمواطن أن يثق بإدارةٍ تُحوّل موظفيها إلى رهائن في حروبها الشخصية؟
الظلم لا يُهزم بالصمت. والعدالة التي تنتظر دموع الضحايا كي تتحرك ليست عدالة، بل إدارة كسولة تستحق الإقالة.