
المصطفى الجوي – موطني نيوز
لم يعد الأمر يثير الدهشة، بل بات واقعًا مريرًا يئن تحت وطأته إقليم بنسليمان بصفة عامة، ومدينة بنسليمان على وجه الخصوص. فلقد طال النهب والاستغلال والاغتصاب كل زاوية وركن، وتغلغل الفساد لينخر في جسد المنظومة بأكملها. وما سنتطرق له اليوم ليس ببعيد عن هذا الواقع المؤلم، بل هو جزء لا يتجزأ من حلقة الفساد التي باتت سمة مميزة. القضية تتعلق بالسرقة، ولكن قبل أن نوجه أصابع الاتهام جزافًا أو نتهم جهة بعينها، دعونا نتساءل: أين اختفت كل الأغراس التي كانت تزين مدارات المدينة؟

تحديدًا، نتحدث عن مدارة العمالة، وتلك المدارة التي تقع عند مخرج المدينة في اتجاه المحمدية، بالقرب من تجزئة “الفراشة”. كانت هذه المدارات في وقت قريب تزخر بأشجار النخيل والنباتات الصحراوية التي أضفت عليها جمالًا خاصًا.

أين هي اليوم؟ أين اختفت تلك النباتات الصحراوية التي كانت تزين مدارة العمالة، والتي كلفت الشركة المكلفة آنذاك مبلغًا تجاوز الخمسة ملايين سنتيم؟ الجميل في هذه النباتات أنها كانت من فصائل معروفة بقدرتها العالية على تحمل الجفاف، مثل فصيلة الصباريات (Cactaceae)، وتُعد زينة شائعة في تنسيق الحدائق الجافة (Xeriscaping).

لقد تم غرسها بتعليمات واضحة من السيد كريم بوسلهام، الكاتب العام السابق لعمالة بنسليمان، وذلك لسبب وجيه: المدارة لا تتوفر على مصادر مياه كافية، وبالتالي كان من الضروري غرس هذا النوع من النباتات المناسبة للمناخ الجاف والحار، والتي تُستخدم بكثرة في الحدائق الصخرية أو في تصميم الجزر وسط الطرق.

إن اختفاء هذه النباتات يثير تساؤلات عديدة ومقلقة. فهل نقول إنها سُرقت؟ أم أنها أُتلفت عمدًا؟ أم أنها لا تزال محفوظة في مكان ما، بانتظار إعادة استغلالها في وقت لاحق؟ وحتى نكون موضوعيين قدر الإمكان، فإن الصور التي بحوزتنا تؤكد اختفاء نباتات بعينها، من بينها: (Agave américain)، و(Coussin de belle-mère)، و(Yucca)، و(Beaucarnea)، وغيرها من النباتات التي كانت تشكل جزءًا لا يتجزأ من المشهد الجمالي للمدينة والغالية الثمن.

إن هذه الواقعة ليست مجرد اختفاء نباتات، بل هي مؤشر آخر على حجم الفساد المستشري، وتستدعي تحقيقًا معمقًا وشفافية تامة للكشف عن مصير هذه الأغراس، ومحاسبة المسؤولين عن هذا العبث الذي يطال المال العام وجمالية المدينة.

