الصرار والنملة..بين لهو الصيف وتعب الشتاء

الحسين بنلعايل مدير موطني نيوز في أوروبا

الحسين بنلعايل – موطني نيوز 

في زمنٍ يعاني فيه الكثيرون من قسوة العيش وضنك الحال، يطفو على السطح سؤالٌ محرج: كيف لنا أن نرقص على إيقاع الطبول بينما الأرض تحت أقدامنا تتشقق عطشاً؟ المشهد يذكرنا بحكاية “الصرار والنملة” التي ترويها الأجيال، ليس لمجرد التسلية، بل لتكون مرآةً تعكس واقعاً مريراً. فبينما يعمل البعض بجهدٍ مضنٍ لبناء غدٍ أفضل، يغرق آخرون في بحرٍ من اللهو والترفيه، وكأنما الزمن قد توقف عند لحظةِ فرحٍ عابرة.

في قلب هذا التناقض الصارخ، تطفو المهرجانات الموسيقية والاحتفالات الصاخبة كفقاعاتٍ زائفة على سطح واقعٍ يعاني من الجفاف – ليس جفاف الأرض فحسب، بل جفاف الرؤية أيضاً. فهل يعقل أن ننفق الأموال الطائلة على ما يلهي الأسماع والأبصار، بينما آلاف الأسر تبحث عن قطرة ماء أو لقمة خبز؟ أليس هذا ضرباً من الغفلة التي تذكرنا بذلك الصرار الذي أضاع الصيف في الغناء، ثم استفاقَ في الشتاء يبحث عن ذرةِ قوت؟

الحكمة تقول: “من زرع حصد”، ولكن ماذا يحصد مجتمعٌ يزرع اللهو ويترك الحقول جرداء؟ لا يمكن للرقص على أنقاض الأزمات أن يحلّها، ولا يمكن للضحك أن يملأ الجوعاء. التاريخ يعلمنا أن الأمم التي تخلط بين أولوياتها وتضيع وقتها بين العبث والجدّ، سرعان ما تجد نفسها في ذيل الركب، تتوسل المساعدات وتستجدي القروض، وكأن الكرامة سلعةٌ تُباع في سوق المزادات.

فإلى متى نبقى أسرى هذه الدائرة المفرغة؟ الجواب ليس في النجوم ولا في كتب الغيب، بل في وعي الشعوب وقدرتها على الاختيار. فإما أن نستفيق من سباتنا ونمضي كالنملة الصابرة التي تعمل اليوم لغدها، أو نبقى كالصرار، نغني حتى يأتي الشتاء فنندم حيث لا ينفع الندم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!