أمةٌ في غيبوبة

المصطفى الجوي

المصطفى الجوي – موطني نيوز 

في غياهب هذا الزمن المترنح، حيث تتلاطم أمواج التيه والضياع، تبرز أمتنا العربية كجسد منهك، يتخبط في وحل التناقضات، ويصارع أشباح الماضي بسلاح بال من الدعاء والخطب الرنانة. أي أمة هذه التي تظن أن الفقر يحارب بالدعاء الخاشع، وأن الفساد المستشري يجتث بخطب المنابر في المساجد والزوايا؟ أي عقل هذا الذي يرى في الزواج والإنجاب حلا لبطالة تنهش أجساد شبابنا وتحيل أحلامهم إلى رماد؟ إنها والله أمة ميتة، وإكرام الميت دفنه، لعل من رمادها ينهض جيل جديد، يدرك أن الحياة صراع لا يكسب إلا بالعلم والعمل والتفكير.

لقد أضحى الخمر، الذي يقال إنه يذهب العقول، حجة واهية لتبرير غياب عقولنا عن ساحة الإبداع والإنتاج. أين عقولنا التي كانت تضيء دروب الحضارة؟ أين صناعاتنا واكتشافاتنا التي تبهر العالم؟ أين إنتاجنا الذي يغنينا عن مد أيدينا إلى الآخرين؟ أليس كل ما نستهلكه اليوم، من إبرة إلى صاروخ، نستورده من الغرب السكران، بينما شعوبنا العربية المتدينة تصدر إلى هذا الغرب لاجئين برا وبحرا وجوا، فرارا من واقع مرير صنعناه بأيدينا؟ إن هذا التناقض الصارخ ليدمي القلب ويشعل في النفس غضبا لا ينطفئ.

على العربي أن يشعر بالإهانة، إهانة توقظ فيه نخوة مفقودة، عندما لا يقرأ ولا يتعلم ولا يتساءل ولا يفكر، ومع ذلك يعتقد أنه يفهم كل شيء. أي غرور هذا الذي يمنعنا من رؤية الحقيقة المرة؟ أي وهم هذا الذي يجعلنا نعيش في سبات عميق، بينما العالم من حولنا يتسابق نحو المستقبل؟ وعلى العربي أن يشعر بالإهانة عندما يتباهى بماضي أجداده التليد، وحاضره بائس، لا يشبه ماضيه إلا في الخمود والركود. إن التاريخ لا يصنع بالتباهي، بل بالعمل الدؤوب والإنجازات العظيمة.

وعلى الإنسان العربي أن يشعر بالإهانة، إهانة تحرك فيه ضميرا غافلا، عندما يكون مجتمعه فاسدا، ينخره السوس من كل جانب، وتسيطر عليه المحسوبية والرشوة والظلم. إن الفساد ليس مجرد آفة اقتصادية، بل هو سرطان يفتك بالقيم والأخلاق، ويحيل المجتمع إلى غابة يأكل فيها القوي الضعيف. إن صمتنا على هذا الفساد، وتبريرنا له، هو مشاركة فيه، وهو دليل على موت الضمير.

لقد آن الأوان لأن نستفيق من غفلتنا، وأن نواجه واقعنا المرير بشجاعة وصراحة. إن طريق النهضة لا يمر بالدعاء وحده، ولا بالخطب الرنانة، بل يمر بالعلم والعمل الجاد، وبالتفكير النقدي، وبالتخلص من كل أشكال الفساد. إن كرامة الأمة لا تستعاد إلا بعودة العقول إلى العمل، والأيدي إلى الإنتاج، والقلوب إلى الإيمان الحقيقي بالعدل والحرية والكرامة. فهل من مستجيب لصرخة الواقع قبل فوات الأوان؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!