
المصطفى الجوي – موطني نيوز
في زمن تتعدد فيه الجهات المنوط بها حماية المال العام والملك الخاص، وتتوزع فيه المسؤوليات بين النيابة العامة والسلطات المحلية والأجهزة الأمنية، يبرز سؤال ملح يطرح نفسه بحدة : من يحمي أراضي الدولة؟ هل هي المديرية العامة للأملاك المخزنية وحدها من تتحمل هذا العبء، أم أن هذه الأراضي باتت مرتعاً خصباً للنهب والسلب والاستغلال دون سند قانوني؟
إن ما يجري على مستوى إقليم بنسليمان، وتحديداً في جماعة الزيايدة، لهو خير دليل على هذه الفوضى المستشرية، حيث تستباح أراضي الدولة نهاراً جهاراً، في غفلة أو تغافل من يفترض بهم حماية هذه الثروة الوطنية. إن الرسم العقاري رقم 12614/25، الذي تبلغ مساحته حوالي 49 هكتاراً، يقف شاهداً صارخاً على حجم التجاوزات التي تشهدها أملاك الدولة في هذا الإقليم، وما خفي أعظم.
فوق هذه المساحة الشاسعة، أقيمت مجموعة من المقرات، بعضها عمومي والآخر تابع للخواص، في مشهد يثير الاستغراب والاستنكار. من بين هذه المقرات، نجد السجن المدني، ومقر جماعة الزيايدة، ومقر قيادة الزيايدة، ومدرسة ابتدائية، والسوق الأسبوعي، ومؤسسة محمد الخامس للتضامن التي يديرها اتحاد “ابلي فلور”، بالإضافة إلى اتحاد التعاونيات الفلاحية بإقليم بنسليمان، وتعاونية سهب العسل. وليس هذا فحسب، بل هناك أيضاً ثمانية دكاكين مؤجرة دون ترخيص، فضلاً عن استفادة مؤسسة التعاون فيما بين الجماعات “إرتقاء” من حوالي 5 هكتارات.
الخطير في هذا الملف أن أياً من الجهات المذكورة لم تقم بتسوية الوضعية العقارية لهذه المنشآت الا من وحم ربك، مما يعني أننا أمام فوضى غير مسبوقة في تدبير أملاك الدولة. والأخطر من ذلك، أن الدكاكين الثمانية بنيت بطرق غير قانونية، أي أنها عبارة عن بناء عشوائي وغير مرخص حتى فيما يتعلق بممارسة المهنة، ومع ذلك تم كراؤها، في حين أن المديرية العامة للأملاك المخزنية لا تستفيد ولو درهماً واحداً من هذه العقارات.
ومن غرائب الصدف، أن هناك معلومات تفيد بوجود جهة تتستر على هذه الفوضى، فبينما يستعد اتحاد التعاونيات الفلاحية بإقليم بنسليمان لبناء مقر جديد فوق هذا الرسم العقاري، تقوم تعاونية سهب العسل بترخيص وتوافق لجهات أخرى باستغلال نفس العقار، وكأنها هي المالك الشرعي للأرض. وهذا يتنافى مع أبسط مبادئ القانون، ففاقد الشيء لا يعطيه، خاصة وأن أياً من هذه الجهات لم تسوِّ وضعيتها العقارية.
إن استغلال أراضي الدولة يتطلب قطع أشواط طويلة واتباع مساطر قانونية دقيقة للتفويت، بعد موافقة المديرية العامة للأملاك المخزنية. ولكن يبدو أن هذه الإدارة، في هذه الحالة، غير معنية بحماية ممتلكات الدولة من هذا الاستغلال العشوائي، أو أنها تتغاضى عن هذه التجاوزات التي تضرب في الصميم مبدأ سيادة القانون وحماية المال العام.
وللموضوع بقية…