تمارة : فوضى المقالع بسيدي يحيى زعير أو حين يصبح المال أعلى من القانون

الوالي اليعقوبي ووزير الداخلية

المصطفى الجوي – موطني نيوز 

كنا نمني النفس بأن تتدخل الجهات المعنية لوقف نزيف الفوضى التي تعم مقالع سيدي يحيى زعير، لكن يبدو أن لغة المال والنفوذ في هذا البلد أقوى من أي صوت يحاول تغيير الواقع. فبالرغم من الحقائق التي كشفناها، والتهرب الضريبي الفاضح الذي تتخبط فيه هذه المقالع، لم تتحرك أي جهة لفرض القانون. بل إن الفضيحة تكبر كل يوم، وتتسع دائرة الفساد لتشمل من يفترض أن يكونوا حراساً للقانون لا شركاء في انتهاكه.

لقد قدمنا نموذجاً صارخاً عن إحدى هذه المقالع، المسماة “بير خليفة”، والتي تحولت إلى مثال حي للفوضى والانتهاكات. فهذا المقلع لا يكتفي بالعمل في أوقات متأخرة من الليل، مخالفاً كل التصاريح، بل يزيف الأرقام فيما يخص سليلة الإنتاج، ويشهد بناء عشوائياً ينبت داخله كالورم الخبيث بعلم المخزن. والأمر لا يتوقف عند حدود المخالفات الإدارية، بل يتعداها إلى شبكة من المحسوبية والفساد تشمل مسؤولين يفترض أن يكونوا رقباء على هذه الانتهاكات.

فكيف يمكن تفسير صمت عون السلطة “المقدم”، الذي تحول من عين للدولة إلى خادم مطيع لصاحب المقلع؟ بل إن السخرية تبلغ ذروتها حين نعلم أن هذا العون سلطة يشتغل نهاراً في الملحقة الإدارية، وليلاً في المقلع كعامل! أين هي هيبة الدولة في هذا المشهد؟ وأين هي قدسية القانون حين يصبح المسؤولون أول من يدوسونه؟

ولم يسلم حتى نواب رئيس جماعة سيدي يحيى زعير من هذه الدائرة الملوثة. فقد تأكد تورط أحدهم، والمكلف بالرخص (م)، في التستر على مخالفات صاحب المقلع، مقابل منافع شخصية تمثلت في توظيف ثلاثة من أبنائه في مناصب مريحة، مع منحهم سيارة عمل لكل واحد منهم. فهل يعقل أن كل هذا يتم مجاناً؟ وهل يُصدق عاقل أن هذه الصفقات تقوم على البراءة والإحسان؟ التاريخ لا يسجل محاسن الأغنياء، بل يوثق جرائمهم حين يستخدمون المال لشراء الذمم المستعدة أصلا لبيع نفسها لمن يدفع أكثر.

الأخطر في هذه القضية هو أن صاحب هذا المقلع يعمل في وضح النهار دون رقيب أو حسيب. لا الدرك الملكي يتحرك، ولا القائد يتدخل، ولا العامل يهتم، ولا مفتشو الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أو مفتشو الشغل يبذلون أي جهد لمراقبة هذه الاختلالات. وكأننا أمام “حاكم” جديد، يسن قوانينه الخاصة، ويحكم بمنطق القوة والمال، بينما تتحول الدولة إلى مجرد شبح عاجز بسبب تخاذل رجالها.

ولنا أن نتساءل : لو كان هذا المقلع مجرد نافذة يفتحها مواطن بسيط ليدخل الهواء إلى منزله، ألم تكن كل الأجهزة الأمنية والإدارية ستتحرك في حقه؟ ألم يكن القائد والمقدم سيتجندان لإغلاقها فوراً؟ ألم تكن البرقيات والتقارير ستُكتب، والعقوبات ستُفرض، باسم “حماية القانون”؟ لكن حين يتعلق الأمر بمن يملكون المال والنفوذ، يصبح القانون مجرد حبر على ورق.

فإلى متى ستستمر هذه المهزلة؟ وإلى متى سيظل المواطن العادي يدفع ثمن الفساد، بينما تتبارى الجهات المعنية في تغاضٍ مريب؟ السؤال معلق، والجواب يعرفه كل من يملك ضميراً حياً في هذا البلد.

يتبع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!