
المصطفى الجوي – موطني نيوز
في مشهد يكرس انعدام الشفافية والمساءلة، تطفو على السطح فضيحة جديدة تفضح استغلال النفوذ والانتقام الشخصي تحت غطاء القانون. الموظفة بمكتب الحالة المدنية، مجحوبة بوعطية، ترفع صوتها عالياً ضد رئيس جماعة سيدي بطاش، أمين الحرمة، في شكوى تكشف عن ممارسات تنتهك أبسط حقوق الموظفين وتُحول الإدارة المحلية إلى مزرعة عائلية تُدار بمزاج الحاكم الصغير.
فالوثائق المرفقة بالشكوى والتي يتوفر موطني نيوز على نسخ منها، الموجهة إلى كل من وزير الداخلية، والي الجهة، عامل إقليم بنسليمان، وكذا مدير المديرية العامة للجماعات المحلية و تفضح نظاماً مختلا يختزل القانون في أداة للقمع والانتقام. رئيس الجماعة أمين الحرمة، الذي يفترض به أن يكون حارساً للمصلحة العامة، يحوّل المادة 96 من القانون التنظيمي 113.14 إلى سوطٍ يُلهب به ظهور من يعارضونه. فبدلاً من ضبط الإدارة، يُقتطع من راتب الموظفة بدون سند قانوني، بينما تُختلق تهم التغيب الوهمية لتبرير هذه الانتهاكات. والأكثر سخرية أن تواريخ الاقتطاعات تتزامن مع فترات عملها الفعلي، كما تُثبت الشواهد الرسمية الصادرة عن قسم الحالة المدنية. هذه ليست إدارة، بل استهتار صارخ بحقوق الموظفين وسخرية بالقانون.
لكن الفضيحة لا تتوقف عند حدود الانتقام المالي. الرئيس أمين الحرمة، الذي يتشدق بحضور الموظفين واحترام النظام، يُظهر ازدواجيةً مريبة. فهو نفسه يتغيب بشكل دائم، منشغلاً بتجارته الخاصة في استيراد الفواكه البرازيلية واللحوم الإسبانية، بينما يُهمل دورات المجلس الجماعي، ويتركها لنائبه الأمي الذي لا يجيد القراءة والكتابة. هذه صورةٌ لا تليق بمسؤول، بل تفضح تحويل المرفق العام إلى دكاكين شخصية.
فالاختلالات هنا لا يقتصر على المال، بل يمتد إلى المحسوبية والزبونية. فبينما تُحرم الموظفة مجحوبة من عطلتها السنوية وتعويضات الأعمال الشاقة، تُمنح الامتيازات لـ”المقربين”، مثل الموظفة (ب.ط) وهي بالمناسبة “خالة الرئيس”، التي أعيدت إلى وظيفتها بعد توقفها في عهد الرئيس السابق، وحصلت على تعويضات مالية بفضل المحكمة. هذه ليست إدارة، بل محسوبية مقرفة تُكرس نظام “الولاء للأقرباء” وتُهمش الكفاءة. علما انها تغيبت عن العمل في عهد ابن أختها الرئيس الحالي لأزيد من سنة. وليست هي الحالة الوحيدة او الاخيرة فهناك موظف (س.ب) قضى ثلاثة أشهر في السجن، ومع ذلك لم يتم اتخاذ أي إجراء تأديبي ضده، بل ظل يتقاضى راتبه كاملاً، بما في ذلك تعويضات الأعمال الشاقة، خلال فترة اعتقاله ولكم كل الوسائل لتتأكدوا من هذا الخرق للقانون والذي يعتبر هدرا للمال العام! هذه المفارقة تطرح سؤالاً جوهرياً : هل العقوبات في هذه الجماعة تُفرض وفقاً للقانون، أم وفقاً للولاءات الشخصية والعداءات السياسية؟
الأسوأ أن هذه الممارسات تتم تحت سمع وبصر المسؤولين، مما يطرح تساؤلاتٍ محرجة عن دور الجهات الرقابية. الموظفة، التي أرسلت شكواها إلى والي الجهة ووزير الداخلية، تُظهر جرأة نادرة في مواجهة آلة الفساد، لكنها تذكرنا بأن العدالة الإدارية غالباً ما تكون بطيئةً أمام جبروت “الرؤساء الصغار”.
القضية لا تتوقف عند انتهاك الحقوق المادية، بل تمتد إلى انتقام سافر يرتبط بتضارب مصالح مع زوج الموظفة وأخيها، الرئيس السابق للجماعة. فالرئيس الحالي الذي يفترض أن يكون حامياً للمصلحة العامة، يحول المؤسسة إلى ساحة للصراعات الشخصية، حيث يتم تفضيل الأقارب والمقربين، كما في حالة “خالته” الموظفة، التي غابت عن العمل لأكثر من سنة والموظف الذي قضى ثلاثة أشهر وراء القضبان دون أي مساءلة، بينما يُعاقب الآخرون لمجرد انتمائهم العائلي أو السياسي.
هذه القصة ليست مجرد شكوى فردية، بل نموذجٌ صارخ لفساد يُنهش الإدارة المحلية. فهل يكون رد الجهات المعنية بنفس حدة الانتهاكات، أم ستُضاف هذه الشكوى إلى أرشيف القضايا المنسية؟ السؤال الأهم : متى تُفكك شبكة المحسوبية التي تحول الخدمة العامة إلى غنيمةٍ للمتنفذين؟