
المصطفى الجوي – موطني نيوز
شهدت الساعات الأخيرة إعلان الإدارة المركزية للدرك الملكي عن حركة وطنية واسعة النطاق، مستهدفة إعادة هيكلة شاملة طالت مسؤولين وضباطاً ورجالاً من مختلف الرتب والمسؤوليات عبر التراب الوطني. هذه الحركة، التي تنمّ عن دينامية مؤسساتية وتواصل لمسيرة التطوير داخل صفوف هذه الهيئة الأمنية الحيوية.
لكن في بنسليمان أثارت تساؤلات محلية حول مدى تأثيرها المباشر على أداء الدرك الملكي في الإقليم. وبقراءة متأنية للبيان الرسمي، يلاحظ أن الإدارة المركزية اختارت استثناء القيادات الأمنية الرئيسية في الإقليم من هذه الحركة الانتقالية، سواء تعلق الأمر بقائد سرية بنسليمان، أو في بوزنيقة، أو رؤساء المراكز الترابية والقضائية المنتشرة عبر جغرافية الإقليم.
هذا الاستثناء، دون شك، يحمل في طياته رسالة ضمنية من الإدارة المركزية تُعلي من شأن الاستقرار القيادي وتراهن على استمرارية المسار الحالي في هذه المناطق. وهو قرار تستحق الإدارة المركزية عليه التقدير والثناء، إذ يُفترض أنه نابع من تقييم موضوعي للأداء العام. غير أن قراءة دقيقة للواقع الميداني في إقليم بنسليمان، تستدعي إثارة ملاحظات لا تخلو من الأهمية. فثمة تفاوت ملحوظ في مستوى الإنجاز والفعالية بين المراكز التابعة للدرك الملكي داخل الإقليم الواحد. بينما يبرز أداء بعضها، وعلى رأسها المركز القضائي لبنسليمان ومركز بوزنيقة، بمستوى من الاحترافية والإنجازات الملموسة، نجد أن أداء مراكز أخرى، مثل المركز الترابي لمليلة والمركز الترابي بسيدي بطاش والمنصورية وبوزنيقة، يبقى متواضعاً بل وخجولاً إذا ما قورن بزملائه في الإقليم. ولا ينفي هذا وجود مجهودات، لكن المحصلة النهائية تشير إلى فجوة في الفعالية والنتائج.
إن ثقتنا في حكمة القيادة العليا للدرك الملكي لا تعمينا عن ضرورة تسليط الضوء على هذه التفاوتات. فاستمرار بعض المراكز في تقديم أداء دون المأمول، رغم الإمكانيات والثقة المُمنحة، يضع علامات استفهام كبيرة حول كفاءة وكفاية إدارتها المحلية. ومحاضر العمل ونتائج الميدان في مركز مثل مليلة تشكل شاهداً لا يُدحض على وجود إخفاقات تتطلب المعالجة الجادة. إن الإدارة المركزية، باختيارها عدم التغيير في هذه المرحلة، تتحمل مسؤولية مضاعفة في متابعة وتقويم الأداء عن كثب، وضمان أن ترجمة هذه الثقة إلى إنجازات ميدانية ملموسة تصبح واقعاً ملموساً.
وكمتابعين للشأن المحلي ندعو القائد الجهوي للدرك الملكي في مدينة سطات، المشرف المباشر على هذا الجهاز في إقليم بنسليمان، إلى اعتماد مقاربة تقويمية صارمة وموضوعية، فالاستقرار القيادي هدف نبيل، لكنه يفقد قيمته إذا لم يقترن بتحسين مستمر وتصحيح حازم للاختلالات. الحكمة تقتضي الاعتراف بأن الثقة تُبنى على الجدارة والإنجاز، وأن “فاقد الشيء لا يعطيه”، وهي قاعدة إدارية لا تحتمل التأويل.
فما يهمنا، وما يجب التأكيد عليه هو أن هذه الحركة الانتقالية للدرك الملكي قد حافظت على القاطرة الأساسية (المهديين)، وهي الأهم. فطالما أن القيادة تسير في المسار الصحيح، فإن باقي المكونات ستتبع حتماً نفس النهج. إن استمرارية الثقة في بعض القيادات تعكس رؤية استراتيجية تزن بين التجربة الميدانية والانضباط المؤسساتي.
ومهما تباينت الآراء حول تفاصيل هذه الحركة، فإن التكريم الحقيقي هو ذلك الذي يصنعه رجال الدرك الملكي يومياً عبر تفانيهم في حماية الوطن والمواطن. فمبروك لمن جُدِّدت فيهم الثقة، وهنيئاً لمن راكموا خبرة كبيرة، واكتسبوا محبة السكان واحترامهم. ففي النهاية، الإنجاز الأكبر ليس في المنصب، بل في الأثر الذي يتركه الرجل في الميدان، وفي الذاكرة الجماعية للشعب الذي يثق بهم ويحتكم إليهم.
فليستمر العطاء وليكن شعار الجميع : “الواجب أولاً..والوطن دائماً.”