
المصطفى الجوي – موطني نيوز
في عالم يُجمع على أن الأطفال هم “طيور الجنة”، تخرج المجتمعات العربية، ومن بينها المغرب، عن هذا الإجماع لتعاملهم وكأنهم “طيور جهنم”، كائنات ولدت من رحم الإسفلت وأعمدة الكهرباء، لا من رحم أسرة أو مجتمع يحميها. فالأطفال الذين وجدوا أنفسهم في دور الرعاية دون رعاية حقيقية، تحولوا إلى ضحايا لإهمال الدولة وسياساتها الفاشلة في احتواء هذه الفئة الهشة. الشارع لم يكن أمّاً حنوناً لهم، بل كان سجناً قاسياً حوّلهم إلى متسولين، لصوص، وفي بعض الأحيان، مجرمين وقتلة. ومع ذلك، يظل هؤلاء الأطفال خارج كل البرامج الحكومية، وكأنهم غير موجودين في سجلات التخطيط الاجتماعي. فلربما احصائيات مندوبية التخطيط لا تشملهم.
فالأرقام الرسمية تكشف حجم المأساة، فحسب جمعية “بيتي”، يبلغ عدد أطفال الشوارع في المغرب حوالي 50 ألف طفل، عددٌ مهول يعكس فشلاً متعدد الأوجه. لتبقى مدينة بنسليمان، كغيرها من المدن المغربية، لها نصيبها من هذه الظاهرة، حيث يعيش هؤلاء الصغار في ظروف قاسية، محرومين من أبسط حقوقهم في الحماية والكرامة. ولكن المفارقة الأكثر إيلاماً هي أن هؤلاء الأطفال، رغم معاناتهم، لم يسلموا من استغلال تجار الممنوعات الذين حوّلوهم إلى أدوات في أيديهم، إما للترويج للمخدرات، أو للسخرة مقابل أجر زهيد، أو حتى للتسول من أجل توفير ثمن السجائر والمخدرات و”السلسيون” التي باتو يدمنون عليها وهم لم يتجاوزوا 14 عاما .
هنا يبرز سؤال جوهري: من يبيع المخدرات و”السلسيون” لأطفال الشوارع؟ وكيف تمكنت هذه الشبكات الإجرامية من استغلال الأطفال بهذه السهولة دون أي رادع؟ الدولة التي تعجز عن احتواء هؤلاء الأطفال وصون كرامتهم، يفترض أن يكون الحد الأدنى من مسؤوليتها هو حمايتهم من براثن الإدمان علما أن نقطة تجمعهم تكون بالقرب من مركز الشرطة وبشارع الحسن الثاني، وفتح تحقيقات جادة للكشف عن الجهات التي تزودهم بهذه المواد القاتلة. فهل يعقل أن تكون الدولة عاجزة حتى عن توفير هذه الحماية البسيطة؟
المأساة لا تكمن فقط في وجود أطفال الشوارع، بل في تحويلهم إلى وقود لجرائم الكبار. فبينما تغيب الرعاية الحكومية، يظهر استغلال تجار الموت الذين لا يترددون في تحطيم طفولة هؤلاء الصغار من أجل تحقيق أرباحهم القذرة. وبالتالي فإن التغاضي عن هذه الجريمة ليس إلا شكلاً آخر من أشكال التواطؤ، فحماية الأطفال من المخدرات واستغلال العصابات ليست ترفاً، بل واجب إنساني وقانوني يجب أن تتحمله الدولة بكل حزم. وإذا كانت الحكومة عاجزة عن إعادة هؤلاء الأطفال إلى أحضان المجتمع، فالأولى بها على الأقل أن تحميهم من أن يكونوا ضحايا للإدمان والإجرام والإستغلال الجنسي. فمتى تتحرك الجهات المعنية قبل أن يفوت الأوان؟
اننا ندعوكم لمشاهدة طيور الشوارع وهي تتعاطى لمادة “السيلسيون” بالضغط هنا.