
الحسين بنلعايل – موطني نيوز
في ظل صمت مريب، تتنامى عمليات بيع وشراء تأشيرات شنغن الحقيقية في مدينتي الناظور وبركان، حيث تحولت بعض القنصليات الأوروبية إلى سوق سوداء تدار بعناية من قبل سماسرة ومتورطين. مصادر موثوقة كشفت لنا تفاصيل هذه الشبكات التي تستغل حلم المغاربة في الهجرة نحو أوروبا، لتحوله إلى سلعة تباع بالملايين، فيما تتهاون السلطات في ملاحقة الفاسدين.
المعلومات التي توصلنا بها تؤكد أن السماسرة يعملون بعلاقات وثيقة مع موظفين في قنصلية أوروبية بالناظور، حيث يتم تزويد المتقدمين بتأشيرات شنغن حقيقية مقابل مبالغ مالية تصل إلى 80 ألف درهم. وقد تحدثت عدة ضحايا، خاصة من الشابات، عن حصولهن على هذه التأشيرات واستخدامها لدخول بلجيكا دون عوائق، مما يثبت أن الأمر ليس تزويراً، بل فساداً منظماً يستفيد منه شبكات محلية ودولية.
المفارقة الصادمة أن هذه الظاهرة ليست وليدة اليوم، بل تعود جذورها إلى أوائل الألفية، عندما تم توقيف القنصل البلجيكي بالدار البيضاء سنة 2002 بتهمة الاتجار في تأشيرات شنغن لصالح فتيات مغربيات. اليوم، يعيد التاريخ نفسه، لكن بوجوه جديدة وأساليب أكثر جرأة، حيث تشير المعطيات إلى تورط أشخاص معروفين، من بينهم امرأة تُعرف بـ”الحاجة” في بركان، وطبعا هذه السيدة لديها من النفوذ و المعاونين في مراكز حساسة من يسهل لها هذه العمليات.
السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح: أين هي الأجهزة الأمنية المغربية من هذه الشبكات؟ ولماذا تنجح هذه المافيات في الاستمرار رغم تكرار الفضائح؟ يبدو أن الإفلات من العقاب يشجع الفاسدين على التمادي، بينما يدفع المواطنون البسطاء ثمن أحلامهم من جيوبهم وكرامتهم. نحن هنا لنسلط الضوء على هذه الممارسات الخطيرة، التي لا تقوض فقط ثقة المغاربة في مؤسسات بلدهم، بل تشكل أيضاً تهديداً لأمن الجالية المغربية في أوروبا، التي تواجه اتهامات دائمة بسبب مثل هذه الحالات.
في الوقت الذي تطالب فيه رابطة الدفاع عن ضحايا الظلم في أوروبا بتحرك دولي عاجل، نوجه نداءً صارخاً إلى السلطات المغربية، خاصة الدرك الملكي ومديرية مكافحة العصابات، لفتح تحقيق شامل وشفاف، يمسك بخيوط هذه الشبكة ويحاسب كل المتورطين، بمن فيهم الموظفون الأجانب الذين يستغلون مناصبهم للإثراء غير المشروع. فالمغرب لا يستحق أن يكون سوقاً لتجارة التأشيرات، كما أن المواطنين لا يستحقون أن يكونوا ضحايا لأحلام مزيفة تباع بالمزاد العلني.
الفساد لا وطن له، لكن ضحاياه دائماً من الفقراء. حان الوقت لوقف هذه المهزلة.