
المصطفى الجوي – نوطني نيوز
في قلب الثورة التحريرية الجزائرية، بين لهيب المعارك وصرخات الاستقلال، ظهرت مجموعة من الرجال الذين حملوا في تاريخهم تناقضاً صارخاً. كانوا بالأمس القريب جنوداً في الجيش الفرنسي، يقاتلون تحت راية المستعمر، ثم ما لبثوا أن تحولوا بين ليلة وضحاها إلى “أبطال” و “ومقاومين” في صفوف جيش التحرير. هؤلاء لم يكونوا مجرد انتهازيين أو مرتزقة عاديين، بل كانوا جزءاً من مخطط فرنسي إستعماري أكبر، تحولوا مع السنوات من مجرد عناصر مشبوهة إلى أعمدة النظام الحاكم في الجزائر المستقلة، ومن ثم إلى سدنة السلطة الذين حكموا البلاد بقبضة من حديد لعقود.

تبدأ القصة في منتصف الخمسينيات، عندما بدأ عدد من الضباط الجزائريين الذين خدموا في الجيش الفرنسي بالفرار والالتحاق بصفوف الثورة. كانت الأعداد في البداية محدودة، لا تتجاوز بضعة عشرات، لكنها أخذت في التزايد مع وصول شارل ديغول إلى السلطة في فرنسا عام 1959. التحق بعضهم بالثورة في وقت متأخر جداً، قبيل الاستقلال مباشرة، فيما بقي آخرون في الجيش الفرنسي حتى بعد نهاية الحرب، لينضموا لاحقاً إلى الجيش الجزائري الناشئ بطلب رسمي من وزارة الدفاع. هذا التحول المفاجئ أثار شكوكاً كثيرة بين قادة الثورة، فكيف لجنود قاتلوا ضد أبناء جلدتهم أن يتحولوا بين عشية وضحاها إلى “مقاتلين أحرار”؟

لم تكن هذه الشكوك في محلها فحسب، بل تحولت مع السنوات إلى حقيقة مريرة. هؤلاء الضباط، الذين عرفوا فيما بعد باسم “دفعة لاكوست”، لم يأتوا ليكملوا مسيرة الثورة، بل جاءوا ليفرضوا أنفسهم كقوة جديدة داخل الجيش، ثم في الدولة الناشئة. بحلول عام 1965، كانوا قد أصبحوا العصب الرئيسي الذي اعتمد عليه هواري بومدين للإطاحة بأحمد بن بلة، أول رئيس للجزائر المستقلة. لم يكن بومدين ليقدر على تنفيذ انقلابه لولا دعم هذه المجموعة، التي كافأها لاحقاً بمناصب عسكرية وأمنية عليا. وهكذا، تحول “ضباط فرنسا” من مشتبه بهم إلى صناع القرار الفعليين في البلاد.

مع مرور السنوات، أمسك هؤلاء الجنرالات بكل خيوط السلطة، فتحولت الجزائر من دولة ثورية إلى دولة بوليسية يقودها رجال تعلموا فنون القمع في ثكنات الجيش الفرنسي. اسماء مثل عربي بلخير، خالد نزار، محمد تواتي، وعبد المالك قنايزية أصبحت مرادفة للسلطة المطلقة. كان بلخير، على سبيل المثال، الرجل القوي الذي لم يتردد في تحييد رموز الثورة واحداً تلو الآخر، متهمًا إياهم بالخيانة بينما كان هو من قضى سنوات في خدمة المستعمر. أما نزار، فاشتهر بدوره الدموي خلال العشرية السوداء، حيث تحول الجيش الذي كان يفترض أن يحمي الشعب إلى أداة قمع ضد أبناء الوطن.

لم يكن هؤلاء مجرد رجال عسكر، بل تحولوا إلى طبقة حاكمة جديدة، جمعت بين السلطة والثروة. بنوا إمبراطوريات مالية من خلال الصفقات المشبوهة والاحتكارات، بينما عاش الشعب في فقر مدقع. استخدموا نفس أساليب التعذيب التي تعلموها من الفرنسيين ضد خصومهم السياسيين، فتحولت السجون السرية إلى جزء من المنظومة التي تحكم بها هذه العصابة البلاد. حتى عندما حاول الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي جاء إلى السلطة بدعم منهم، كبح جماح بعضهم في أواخر التسعينيات، كان الوقت قد فات. لقد أصبحت الدولة عميقة للغاية، متشابكة مع مصالحهم، بحيث لم يعد ممكناً اقتلاعهم.

اليوم، ورغم مرور عقود على الاستقلال، لا تزال الجزائر تعيش تحت وطأة إرث هؤلاء الرجال. لقد حولوا الثورة من مشروع تحرير إلى نظام استبدادي، وحولوا الجيش من أداة للدفاع عن الوطن إلى أداة لقمع الشعب. لقد كانوا القنبلة المزروعة داخل الثورة، التي انفجرت بعد فوات الأوان، لتحول الحلم الجميل بالحرية إلى كابوس طويل من الديكتاتورية. قصة “ضباط فرنسا LES DAF” ليست مجرد فصل من فصول التاريخ الجزائري، بل هي الدرس الأقسى عن كيف يمكن للماضي الاستعماري أن يعود في ثوب جديد، ليحكم من حيث ظن الجميع أنه قد رحل إلى الأبد.
ومن أبرزهم :

أحمد بن الشريف : فر من الجيش الفرنسي سنة 1957، عينه عبد الرحمان فارس قائد للدرك الوطني بتاريخ 17.09.1962 كما عينه هواري بومدين كقاضي مساعد بالمحكمة العرفية لمحاكمة العقيد شعباني بتاريخ 03.08.1964، وليتم تهينه مرة أخرى من طرف الهواري بومدين مرة أخرى وزيرا للري واصلاح الاراضي وحماية البيئة بتاريخ 023.04.1977.

العربي بلخير : فر من الجيش الفرنسي سنة 1957 ، وهو قائد الأركان في ورقلة سنة 1962، الامين الدائم للمجلس الاعلى للأمن سنة 1980، مدير ديوان الشادلي بن جديد سنة 1986، وزير الداخلية و الجمعيات المحلية سنة 1991، مدير ديوان عبد العزيز بوتفليقة سنة 2000 و سفير الجزائر في المغرب من 2005 وحتى وفاته سنة 2010.

عبد المالك قنايزية : فر من الجيش الفرنسي سنة 1958، وعين رئيسا للأركان على مستوى النواحي العسكرية، قائد اللواء المدرع، نائبا لقائد ناحية عسكرية، مديرا مركزيا لإمداد، ثم العتاد فالصناعات العسكرية، قائد للواء الثامن المدرع، قائد القوات الجوية، رئيسا لأركان الجيش الوطني الشعبي، سفيرا للجزائر في سويسرا ووزيرا منتدبا لدى وزارة الدفاع.

خالد نزار : فر من الجيش الفرنسي سنة 1958، تم تعيينه قائد الناحية العسكرية الخامسة سنة 1982 ثم قائد القوات البرية سنة 1987 ووزيرا للدفاع سنة 1990.

محمد العماري : فر من الجيش الفرنسي سنة 1962، ليتم تعينه قائد ناحية عسكرية مابين 1970 و 1976، ثم قائد فرقة المشاة ميكانيكية سنة 1982 ورئيس قسم العمليات سنة 1988 ثم قائد القوات البرية سنة 1992 وقائد أركان الجيش الوطني الشعبي ما بين 1993 و 2004.
وهذي هي أهم الاسماء التي خاربت ضد الجزائر ابان الاستعمال وباعتها للمستعمر بعد الاستقلال وبالتالي فالجزائر و الى حدود الساعة لم يسبق أن حكمها جزائري حقيقي واحد