
المصطفى الجوي – موطني نيوز
في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة، حيث يئن المواطن تحت وطأة غلاء المعيشة وتكاليف الحياة المتزايدة، تبرز فضيحة مدوية في جماعة أهل الكهف “بنسليمان”، تكشف عن استنزاف ممنهج للمال العام واستغلال فاضح للسلطة. إنها فضيحة المحروقات، التي تحولت من مادة حيوية ضرورية لتسيير الشأن العام إلى أداة لخدمة المصالح الشخصية وتكريس المحسوبية والزبونية، في مشهد عبثي يثير الغضب ويستدعي تدخلاً عاجلاً من الجهات المسؤولة.
حيث يتصدر المشهد رئيس جماعة أهل الكهف، السيد محمد اجديرة، الذي يبدو أنه يعتبر ممتلكات الجماعة امتدادًا لملكيته الخاصة. ففي سابقة خطيرة، يستغل الرئيس مجموعة من السيارات التابعة للجماعة لأغراض شخصية صرفة، وكأنها جزء من أسطوله الخاص. سيارته الشخصية التابعة للجماعة، وسيارة “بيكوب”، بالإضافة إلى سيارة “داسيا” وسيارة “فورد ترونزيت” الكبيرة، كلها تحت تصرفه الشخصي، في استغلال صارخ للمال العام الذي هو ملك للمواطنين. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل يتعداه إلى جرار يجر صهريج الماء، والذي لا يزال ينقل الماء الصالح للشرب من بنسليمان وحتى ضيعة الرئيس الخاصة في جماعة الزيايدة، في دليل دامغ على استغلال النفوذ والموارد العامة لخدمة المصالح الشخصية الضيقة.
ولم يعد الأمر مقتصرًا على الرئيس وحده، فقد علم “موطني نيوز” أن الجماعة لم يبق فيها مستشار إلا ويستغل سيارة الجماعة، في مشهد يعكس حالة من التواطؤ والصمت المريب على هذه التجاوزات الخطيرة. وكأن سيارات الجماعة أصبحت غنيمة توزع على الموالين، بدلاً من أن تكون وسيلة لخدمة الصالح العام وتلبية احتياجات المواطنين. هذا التواطؤ يثير تساؤلات حول دور السلطة الوصية في مراقبة وتتبع صرف المال العام، وحول مدى التزامه بالمسؤولية والأمانة المنوطة به.
لتتفاقم الفضيحة مع الكشف عن شراء الرئيس لثلاث سيارات بمبلغ يناهز 100 مليون سنتيم. سيارة عادية من نوع “داسيا”، واثنتان رباعية الدفع من نوع “مازدا” وكأن مسالك المدينة وعرة وجبلية. المثير للدهشة أن إحدى سيارات “المازدا” قد “اختطفها” الرئيس لنفسه، بينما لا تزال الثانية مخبأة وتأكلها الشمس، لا أحد يعلم بمكانها او من سعيد الحظ الذي ستسلم له في اطار تبديد المال العام. هذه الصفقات المشبوهة، التي تتم في غياب الشفافية والمساءلة، تثير علامات استفهام كبيرة حول كيفية صرف هذه المبالغ الضخمة، وحول مدى الحاجة الفعلية لهذه السيارات، خاصة وأن إحداها لا تزال خارج الخدمة ومخبأة عن الأنظار. إنها عملية تبديد واضحة للمال العام، تستدعي تحقيقًا فوريًا وشاملاً. فلا يعقل ان تجد كبار المسؤولين بالاقليم يركبون سيارات عادية في حين رؤساء الجماعات “يتفطحون” بسيارات رباعية الدفع من المال العام!!.
فالأرقام تتحدث عن نفسها الجماعة تصرف ما يفوق 100 مليون سنتيم سنويًا على المحروقات، في حين يتحمل المواطن أعباء سيارة الإسعاف من ماله الخاص. هذا التناقض الصارخ يكشف عن أولويات معكوسة، حيث يتم تبديد مئات الملايين على المحروقات لخدمة مصالح شخصية، بينما يترك المواطن يواجه مصيره بمفرده في توفير أبسط الخدمات الأساسية. السؤال الذي يجب أن يفتح فيه تحقيق جنائي عاجل هو: أين تصرف كل هذه المبالغ المالية؟ ومن هي السيارات التي تستغل المحروقات؟ وما هي أرقامها؟ ورخص تحركاتها؟ وما هي الأغراض التي تقضى بها وتجعلنا نستهلك أكثر من 100 مليون سنتيم سنويًا؟
هذه الأسئلة تزداد إلحاحًا عندما نعلم أن المدينة لم تعرف أي معالم للتنمية على امتداد عشر سنوات قضاها الرئيس الحالي في هذا المنصب. فكيف يمكن تبرير هذا الإنفاق الباذخ على المحروقات وغيرها في ظل غياب أي مشاريع تنموية حقيقية تخدم مصالح المواطنين؟ إنها معادلة صعبة، لا يمكن تفسيرها إلا بوجود فساد مستشر واستغلال فاضح للموارد العامة. وتكتم جهات عليا على تصرفات هذا الرئيس ومن معه.
إن ما يحدث في جماعة بنسليمان ليس مجرد تجاوزات بسيطة، بل هو فضيحة بكل المقاييس، تستدعي تدخلاً عاجلاً وحازمًا من جميع الجهات المعنية. يجب فتح تحقيق جنائي فوري وشفاف في هذه القضية، ومحاسبة كل المتورطين، واسترجاع الأموال المنهوبة. فالمواطن في بنسليمان يستحق أن يعيش في كرامة، وأن يتمتع بخدمات عمومية لائقة، وأن يرى أمواله تصرف في ما يخدم مصالحه، لا في ما يخدم مصالح حفنة من المستغلين. لأن صمت الجهات المسؤولة عن هذه الفضيحة سيكون تواطؤًا غير مقبول، وسيزيد من تفاقم الأزمة وتعميق حالة عدم الثقة بين المواطن ومؤسساته. آن الأوان لوضع حد لهذا العبث، وإعادة الاعتبار للمال العام، وتكريس مبادئ الشفافية والمساءلة في تدبير الشأن المحلي.