المغرب بين التطبيع السياسي و التطبيع التعليمي

المصطفى الجوي

المصطفى الجوي – موطني نيوز 

إن ما يُكشَفُ بين الحين والآخر من تقاريرَ تدعمها جهاتٌ صهيونيةٌ، أو تُموَّلُ بأموالٍ غربيةٍ تحت غطاء “الإصلاح التعليمي”، ليس إلا وجهاً آخر من وجوه الحرب الشاملة التي تُشنُّ على الأمة العربية والإسلامية. فالقضية ليست مجرد تعديلاتٍ في المناهج، أو حذف آياتٍ قرآنيةٍ، أو إعادة رسم خرائطَ، بل هي معركةٌ وجوديةٌ تهدف إلى اقتلاع الهوية، وطمس الذاكرة، وإعادة تشكيل العقل العربي وفق رؤيةٍ تخدم المشروع الصهيوني أولاً وأخيراً.

لقد أصبحت خطب الجوامع، وكتب المدارس، وحتى مناهج الجامعات، تحت مجهر “المراقبة الصهيونية”، ليس عبر أدواتٍ استخباراتيةٍ تقليديةٍ فحسب، بل عبر منظماتٍ دوليةٍ تُقدَّمُ على أنها “محايدة”، مثل اليونيسف والأمم المتحدة والبنك الدولي. وهنا تكمن الخطورة؛ فتحت شعارات “التسامح” و”السلام”، يُفرضُ على الدول العربية تقطيع أوصال تاريخها، وتشويه وعي أبنائها، وقبول روايةٍ مزيفةٍ تُبرئ اليهود من كل الخيانات التاريخية، وتُحوِّل الصهيونية من حركةٍ استعماريةٍ عنصريةٍ إلى “قصة نجاح” يجب تدريسها!

التقرير الصادر عن “رابطة مكافحة التشهير” بالتعاون مع معهد “توني بلير” – ذلك الذي يُقدَّمُ كصديقٍ للعرب بينما هو أحد أبرز مهندسي الغزو الصهيوني للعالم العربي – يكشفُ بكل وقاحةٍ أن “تقدمًا” قد أُحرِزَ في تغيير المناهج العربية. ففي المغرب، يُمدَحُ لأن كتبه المدرسية أصبحت تذكر “إسهامات اليهود” في بناء الدولة، وتُبرِزُ زيارة الملك لـ”بيت ذاكرة اليهود” في الصويرة، وكأن الهدف ليس توثيق التاريخ، بل كسر ما يُسمَّى “الحاجز النفسي” لدى الطلاب تجاه التطبيع مع الكيان الصهيوني. وفي مصر، يُنتقَدُ الأزهر لأنه لم يحذف كل الآيات التي تذكر خيانة اليهود، بينما يُشادُ بحذف آيات الجهاد تحت ذريعة “تقبل الآخر”!

والسؤال الأهم: مَنِ “الآخر” الذي يجب تقبله؟ هل هو الفلسطيني الذي يُقتَلُ كل يوم؟ أم أن “الآخر” المقصود هو المحتل الصهيوني الذي يجب تعليم الأطفال على احترامه؟ إنها لعبةٌ خطيرةٌ تهدف إلى تحويل الضحية إلى جلاد، والمقاومة إلى “إرهاب”، والاحتلال إلى “شرعية دولية”. فحين يُحذفُ من التاريخ سردُ الصراع العربي الصهيوني، ويُدرَّسُ بدلاً منه “الهولوكوست”، ويُمنَعُ ذكرُ خيانة اليهود في القرآن، فإن الهدف ليس “التسامح”، بل إخضاع العقل العربي لرواية العدو.

الأخطر من ذلك أن هذه التعديلات لا تأتي عبر فرضٍ مباشرٍ، بل عبر إملاءاتٍ من منظماتٍ دوليةٍ تُموِّلُ مشاريعَ “التطوير التعليمي”، أو عبر ضغوطٍ اقتصاديةٍ من البنك الدولي وصندوق النقد، أو حتى عبر “خبراء” تربويين عربٍ يُنفذون أجندةَ الخارج دون وعي. فحين تُقدَّمُ مناهجُ جديدةٌ تحت شعار “الحداثة”، يكون الحذفُ مُوجَّهًا دائمًا نحو كل ما يُذكِّرُ بالأعداء الحقيقيين للأمة.

إن ما يحدث هو جريمةٌ ضد الذاكرة الجماعية للأمة. فالتاريخ ليس ملكًا لأحدٍ ليُحرِّفَه كما يشاء، والقرآن ليس كتابًا يُنتقى منه ما يُعجبُ الغرب. والوطنية ليست “تعصُّبًا” يجب إلغاؤه، بل هي الدرع الأخير لهوية الأمة. إذا سكتُّمُ اليوم على حذف آيةٍ، فغدًا ستُحذفُ فلسطين من الخرائط، وبعد غدٍ سيُدرَّسُ الأطفالُ أن “إسرائيل” هي دولة الشرعية، وأن مقاومتها “إرهاب”، كما يفعلون الآن تحت غطاء معاداة السامية.

فهل نستيقظ قبل فوات الأوان؟ لآن ما يقع ليس تعديلا، بل إغتيالا للوعي وحرب صهيونية على مناهج التعليم العربية ككل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!